شعر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها
  وأخيل(١) عليهم من السّباع والطير لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمق(٢). فأقام توبة حتّى أتته الراوية قبل اللَّيل، فسقاهم من الماء وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم(٣) ماء، ثم خيّل لهم بالثّياب على الشجر، ثم مضى حتى طرق من اللَّيل سارية بن عويمر(٤) بن أبي عديّ العقيليّ فقال: إنّا قد تركنا رهطا من قومكم بسمرات من قرون بقر، فأدركوهم، فمن كان حيّا فداووه، ومن كان ميّتا فادفنوه، ثم انصرف فلحق بقومه. وصبّح / سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي سمعان ولم يمت غيره. فلم يزل توبة خائفا. وكان السّليل بن ثور المقتول راميا كثير البغي والشرّ، فأخبر(٥) بغرّة من توبة وهو(٦) بقنّة من قنان الشّرف يقال لها قنّة بني الحميّر، فركب في نحو ثلاثين فارسا حتى طرقه؛ فترقّى توبة ورجل من إخوته في الجبل، فأحاطوا بالبيوت، فناداهم وهو في الجبل: هأنذا من تبغون فاجتنبوا(٧) البيوت. فقالوا: إنكم لن تستطيعوه وهو في الجبل، ولكن خذوا ما استدفّ(٨) لكم من ماله، فأخذوا أفراسا له ولإخوته وانصرفوا. ثم إنّ توبة غزاهم، فمرّ على أفلت(٩) بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة(١٠). فقال: يا توبة أين تريد؟ قال: أريد الصبيان من بني عوف بن عقيل. قال: لا تفعل فإنّ القوم قاتلوك، فمهلا. قال: لا أقلع عنهم ما عشت، ثم ضرب بطن فرسه فاستمرّ به يحضر(١١) و [هو(١٢)] يرتجز ويقول:
  تنجو إذا قيل لها يعاط(١٣) ... تنجو بهم من خلل الأمشاط
  حتى انتهى إلى مكان، يقال له حجر الرّاشدة، ظليل، أسفله كالعمود، وأعلاه منتشر، فاستظلّ فيه [هو(١٢)] وأصحابه. حتى إذا كان بالهاجرة مرّت عليه إبل هبيرة بن السّمين أخي / بني عوف بن عقيل واردة ماء لهم يقال له طلوب، فأخذها وخلَّى طريق راعيها، وقال له: إذا أتيت صدغ البقرة(١٤) مولاك فأخبره أنّ توبة أخذ الإبل، ثم انصرف توبة [يطرد الإبل(١٥)]. قال: فلمّا ورد العبد على مولاه فأخبره نادى في بني عوف وقال: حتّام هذا!.
(١) التخييل هنا: وضع خيال على الشيء لتفزع منه السباع، يقال: خيل له، وخيل عليه.
(٢) عمق: موضع. وفي «مختار الأغاني»: «حتى أوذن قومهم يغمونهم».
(٣) الأساقي: جمع أسقية، والأسقية: جمع سقاء (بالكسر) وهو وعاء الماء. فالأساقي جمع الجمع. وفي «مختار الأغاني»: «وجعل لهم في أشنانهم ماء». والأشنان: جمع شن، وهو القربة الخلق، وهي طيبة الماء لأنه ذهب منها ما يغير ماءها.
(٤) تقدم في صفحة ٢١١ «سارية بن عمير ...» ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
(٥) كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «وأخبر».
(٦) في «الأصول»: «وهم» والتصويب من «مختار الأغاني».
(٧) في «الأصول»: «هذا من تبغون فأجيبوا» والتصويب من «مختار الأغاني».
(٨) كذا في «ج». واستدف: تهيأ وأمكن. يقال خذ ما دف لك واستدف، أي خذ ما تهيأ وأمكن وتسهل. وفي «سائر الأصول»: «ما استدنى».
(٩) في «الأصول»: «قلب بن حزن» والتصويب من «مختار الأغاني».
(١٠) في «الأصول»: «يبطن نفسه». والتصويب من «مختار الأغاني».
(١١) كذا في «ج» و «مختار الأغاني». والإحضار؛ عدو سريع. وفي «سائر الأصول»: «يخطر».
(١٢) زيادة عن «مختار الأغاني».
(١٣) في «الأصول»: «ينجو إذا قيل لهم معاط» وفي «ج»: «يعاط» صحيحة. والتصويب من «مختار الأغاني». وقد وردت البيت فيه هكذا:
تنجو إذا قيل لها نعاط ... تنجو ولو من خلل الأمشاط
ويعاط (وزان قطام): زجر للإبل، ويزجر به الذئب وغيره. وتنجو: تسرع.
(١٤) في «مختار الأغاني»: «ضرع البقرة».
(١٥) زيادة عن «مختار الأغاني».