كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأقيشر وأخباره

صفحة 172 - الجزء 11

  قومهم أن يفضّلوا عليهم أحدا. قال لهم: فما / فعل الأقيشر؟ قالوا: مات. قال: لم يمت، ولكنه مشتغل بعشقه، وما أبعد أن يكون شاعركم إلَّا أنه يضيع نفسه. أليس هو القائل:

  يأيّها السائل عمّا مضى ... من علم هذا الزّمن الذاهب

  إن كنت تبغي العلم أو أهله ... أو شاهدا يخبر عن غائب

  فاعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب

  سأل جارا له طحانا كان يقرض الناس فلم يعطه فقال فيه شعرا:

  وذكر عبد اللَّه بن خلف عن أبي عمرو الشيبانيّ أنّ جارا للأقيشر طحّانا كان ينسئ⁣(⁣١) الناس يكنى أبا عائشة.

  فأتاه الأقيشر يسأله فلم يعطه، فقال له:

  يريد النساء ويأبى الرجال ... فما لي وما لأبي عائشة

  أدام له اللَّه كدّ الرّجال ... وأثكله ابنته عائشة

  فأعطاه ما أراد واستعفاه من أن يزيد شيئا.

  تعرض له رجل من هجيم فهجاهم فاستكفوه فكف:

  سخت من كتاب عبيد اللَّه بن محمد اليزيديّ بخطَّه: قال الهيثم بن عديّ حدّثني عطَّاف بن عاصم بن الحدثان قال:

  مرّ أعرابيّ من بني تميم كان يهزأ بالأقيشر، فقال له:

  أبا معرض كن أنت إن متّ دافني ... إلى جنب قبر فيه شلو المضلَّل

  فعلَّي أن أنجو من النار إنّها ... تضرّم للعبد اللئيم المبخّل

  بذلك أوصاها الإله ولم تزل ... تحشّ⁣(⁣٢) بأوصال وترب وجندل

  وأنت بحمد اللَّه إن شئت مفلتي ... بحزمك فاحزم يا أقيشر واعجل

  فقال له: ممن أنت؟ قال: من بني تميم ثم أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميم، فقال الأقيشر:

  تميم بن مرّ كفكفوا عن تعمّدي ... بذلّ فإنّي لست بالمتذلَّل

  أيهزأ بي العبد الهجيميّ ضلَّة ... ومثلي رمي ذا التّدرأ⁣(⁣٣) المتضلَّل


(١) ينسئ الناس: يريد ينسئ الناس الدين أي يقرضهم ويؤخرهم بالدين.

(٢) حش النار أوقدها. والأوصال: المفاصل، واحدها وصل (بضم أوله وكسره وسكون ثانيه). والوصل: كل عظم على حدة لا يكسر ولا يخلط بغيره ولا يوصل به غيره. والجندل: الحجارة.

(٣) في «الأصول الخطية»: «ذا النذرا» بالنون والذال المعجمة. وفي «ب، س»: «ذا الناذر» وهما تحريف. يقال: فلان ذو تدرإ أي ذو حفاظ ومنعة وقوّة على أعدائه ومدافعة، يكون ذلك في الحرب وفي الخصومة. والمتضلل إن جعل وصفا لذي تدرإ كان جره للمجاورة؛ كما قال امرؤ القيس:

كأنّ ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل

وإن جعل وصفا لتدرإ أي حفاظ وقوّة كان الوصف به على التجوّز، ويكون المعنى: ومثلي رمى ذا الحفاظ الأحمق العنيف.