ذكر الأقيشر وأخباره
  بداهية دهياء لا يستطيعها ... شماريخ(١) من أركان سلمى ويدبل
  وباللَّه لولا أنّ حلمي زاجري ... تركت تميما ضحكة كلّ محفل(٢)
  فكفّوا رماكم ذو الجلال بخزية ... تصبّحكم في كلّ جمع ومنزل
  فأنتم لئام الناس لا تنكرونه ... وألأمكم طرّا حريث بن جندل
  فصار إليه شيوخ من بني الهجيم واعتذروا إليه واستكفّوه فكفّ.
  شرب مع مقعد وأعمى وغناهم مغن فطربوا فقال هو شعرا:
  أخبرني الأخفش قال حدّثني أبو الفيّاض بن أبي شراعة عن أبيه قال:
  شرب الأقيشر بالحيرة في بيت فيه خيّاط مقعد ورجل أعمى، وعندهم مغنّ مطرب، فطرب الأقيشر، فسقاهم من شربه، فلمّا انشتوا وثب الأعمى يسعى في حوائجهم، وقفز الخيّاط المقعد يرقص على ظلعة(٣) / ويجهد في ذلك كلّ جهد. فقال الأقيشر:
  /
  ومقعد قوم قد مشى من شرابنا ... وأعمى سقيناه ثلاثا(٤) فأبصرا
  شرابا كريح العنبر الورد ريحه ... ومسحوق هنديّ من المسك أذفرا(٥)
  من الفتيات الغرّ من أرض بابل ... إذا شفّها(٦) الحاني من الدّنّ كبّرا
  لها من زجاج الشام عنق غريبة ... تأنّق فيها صانع وتخيّرا
  ذخائر فرعون التي جبيت له ... وكلّ يسمّى بالعتيق مشهّرا
  إذا ما رآها بعد إنقاء غسلها ... تدور علينا صائم القوم أفطرا
  كان صاحب سراب وندامى تفرق أصحابه فقال شعرا:
  أخبرنا علي بن سليمان قال حدّثني سوّار قال حدّثني أبي قال:
  كان الأقيشر صاحب شراب وندامى، فأشخص الحجّاج بعض ندمائه إلى بعض [النواحي(٧)]، ومات بعضهم، ونسك بعضهم، وهرب بعضهم؛ فقال في ذلك:
  غلب الصّبر فاعترتني هموم ... لفراق الثّقات من إخواني
  مات هذا وغاب هذا وهذا ... دائب في تلاوة القرآن
(١) الشماريخ هنا: رؤوس الجبال، واحدها شمراخ. وسلمى ويذبل جبلان.
(٢) يريد: صيرتهم ضحكة في كل محفل.
(٣) الظلع: العرج.
(٤) في «ج»: «شرابا».
(٥) المسك الأذفر: البالغ الغاية في الجودة.
(٦) كذا في «الأصول»!. والحاني هنا: بائع الخمر، نسبة إلى الحانية وهي الحانوت: المكان الذي تباع فيه الخمر، أو نسبة إلى الحانة. وخففت ياء النسب للشعر.
(٧) زيادة يقتضيها السياق.