كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي جلدة ونسبه

صفحة 211 - الجزء 11

  ولا كنّا أناسا أهل دنيا ... فنمنعها وإن لم نرج دينا

  تركنا دورنا لطغام عكّ⁣(⁣١) ... وأنباط⁣(⁣٢) القرى والأشعرينا⁣(⁣٣)

  ذم من القعقاع بن سويد بعض ما عامله به فقال فيه شعرا:

  قال ابن حبيب: وكان أبو جلدة مع القعقاع بن سويد المنقريّ بسجستان، فذمّ منه بعض ما عامله به، فقال فيه:

  ستعلم أنّ رأيك رأي سوء ... إذا ظلّ الإمارة عنك زالا

  وراح بنو أبيك ولست فيهم ... بذي ذكر⁣(⁣٤) يزيدهم جمالا

  هناك تذكَّر الأسلاف منهم⁣(⁣٥) ... إذا اللَّيل القصير عليك طالا

  فقال له القعقاع: ومتى يطول عليّ الليل القصير؟ قال: إذا نظرت إلى السماء مربّعة. فلمّا عزل وحبس أخرج رأسه ليلة فنظر⁣(⁣٦)، فإذا هو لا يرى السماء إلا بقدر تربيع السّجن، فقال: هذا واللَّه الذي حذّرنيه أبو جلدة.

  مدح مسمع بن مالك حين ولي سجستان ورثاه حين توفي:

  قال: وولي مسمع بن مالك سجستان، وكان مكث أبي جلدة بها، فخرج إليه فتلقّاه ومدحه بقصيدته التي أوّلها:

  بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... وليت وصلا لها من حبلها رجعا

  شطَّت بها غربة زوراء⁣(⁣٧) نازحة ... فطارت النّفس من وجد بها قطعا

  / ما قرّت العين إذ زالت⁣(⁣٨) فينفعها ... طعم الرّقاد إذا ما هاجع هجعا

  منعت نفسي من روح تعيش به ... وقد أكون صحيح الصّدر فانصدعا

  غدت تلوم على ما فات عاذلتي ... وقبل لومك ما أغنيت من منعا

  مهلا ذريني فإنّي غالني⁣(⁣٩) خلقي ... وقد أرى في بلاد اللَّه متّسعا

  فخري⁣(⁣١٠) تليد وما أنفقت أخلفه ... سيب الإله وخير المال ما نفعا


(١) عك: قبيلة. وطغامها: أوغادها.

(٢) في «الأصول»: «وأنماط القرى». والتصويب من «الطبري». والأنباط - ومثله النبط والنبيط -: جيل من الناس كانوا بالبطائح بين العراقين.

(٣) الأشعرون: جمع أشعري (نسبة إلى الأشعر وهو أبو قبيلة باليمن). وحذفت ياء النسب في الجمع تخفيفا.

(٤) في «ح»: «بذي ذخر».

(٥) كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «فيهم».

(٦) في «أ، م»: «ينظر».

(٧) شطت: بعدت. وغربة زوراء: بعيدة. ونازحة: بعيدة.

(٨) في «الأصول»: «إذ زلت». وزالت: فارقت.

(٩) غالني هنا: حبسني؛ يقال: ما غالك عنا؟ أي ما حبسك عنا.

(١٠) يحتمل أن يكون «مجدي».