كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علوية ونسبه

صفحة 227 - الجزء 11

  صوت

  ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إليّ فهلَّا نفس⁣(⁣١) ليلى شفيعها

  - ولحنه ثاني ثقيل - فقال له إسحاق: أحسنت واللَّه يا أبا الحسن! أحسنت ما شئت!. فقام علَّويه من مجلسه فقبّل رأس إسحاق وعينيه وجلس بين يديه وسرّ بقوله سرورا شديدا، ثم قال: أنت سيدي وابن سيّدي، وأستاذي وابن أستاذي، ولي إليك حاجة. قال: قل، فو اللَّه إني أبلغ فيها ما تحبّ. قال: أيّما أفضل عندك / أنا أو مخارق؟

  فإني أحبّ أن أسمع منك في هذا المعنى قولا يؤثر ويحكيه عنك من حضر، فتشرّفني⁣(⁣٢) به. فقال إسحاق: ما منكم إلَّا محسن مجمل، فلا ترد أن ترى في هذا شيئا. قال: سألتك بحقّي عليك وبتربية أبيك وبكلّ حقّ تعظَّمه إلَّا حكمت. فقال: ويحك! واللَّه لو كنت أستجيز أن أقول غير الحق لقلته فيما تحبّ، فأمّا إذا أبيت إلَّا ما ذكرت فهاك ما عندي: فلو خيّرت أنا من يطارح جواريّ أو يغنّيني لما اخترت غيرك، ولكنّما إذا غنّيتما بين يدي خليفة أو أمير غلبك على إطرابه واستبدّ عليك بجائزته. فغضب علَّويه وقام وقال: أفّ من رضاك ومن غضبك!.

  شاع له صوت كان الناس يظنونه لإسحاق:

  حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:

  قدمت من سرّ من رأى قدمة إلى بغداد، / فلقيت أبا محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فجعل يسألني عن أخبار الخليفة وأخبار الناس حتّى انتهى إلى ذكر الغناء، فقال: أيّ شيء رأيت الناس يستحسونه في هذه الأيّام من الأغاني، فإنّ الناس ربما لهجوا بالصوت بعد الصوت؟ فقلت: صوتا من صنعتك. فقال: أيّ شيء هو؟ فقلت:

  صوت

  ألا يا حمامي قصر دوران⁣(⁣٣) هجتما ... بقلبي الهوى لمّا تغنّيتما ليا

  وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن ... أبالي دموع العين لو كنت خاليا

  فضحك وقال: ليس هذا لي، هذا لعلويه، ولقد لعمري أحسن فيه وجوّد ما شاء.

  لحن علَّويه في هذين البيتين ثاني ثقيل بالوسطى.

  أتاه بعض أصحابه فأطعمهم وغناهم ألحانا له:

  حدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن عمرو قال حدّثني أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الأبزاريّ قال:

  أتيت علَّويه يوما بالعشيّ، فوجدت عنده خاقان بن حامد وعبد اللَّه بن صالح صاحب المصلَّى، وكنت حملت


(١) هلا التي للتحضيض يليها الفعل؛ ولذلك تأوّل النحويون هذا البيت، فقيل هو على تقدير «كان» التي اسمها ضمير الشأن، وجملة «نفس ليلى شفيعها» خبرها. وقيل: «نفس ليلى» فاعل لفعل محذوف، والتقدير فهلا شفعت نفس ليلى، ويكون شفيعها خبرا لمحذوف، والتقدير: هي شفيعها أي نفسها شفيعها. على أن بعض النحويين يجيز مجيء الجمل الاسمية بعد أدوات التحضيض مستدلا بهذا البيت.

(٢) في «ب، س»: «فشرفني به».

(٣) دوران: موضع خلف جسر الكوفة كان به قصر لإسماعيل القسري أخي خالد بن عبد اللَّه القسري أمير الكوفة. (عن «معجم البلدان» لياقوت).