أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره
  أجمل أهل زمانها، فخطبها يزيد وعامر. فقالت أمّ كلاب امرأة أميّة بن الأسكر: من هذان الرجلان؟ فقال: هذا يزيد ابن عبد المدان بن الديّان، وهذا عامر بن الطَّفيل. فقالت: أعرف بني الديّان ولا أعرف عامرا. فقال: هل سمعت بملاعب الأسنّة(١)؟ فقالت نعم. قال: فهذا ابن أخيه. وأقبل يزيد فقال: يا أمية، أنا ابن الديّان(٢) صاحب الكثيب(٣)، / ورئيس مذحج، ومكلَّم العقاب، ومن كان يصوّب أصابعه فتنظف(٤) دما، ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا. فقال أميّة: بخ بخ. [فقال عامر: جدّي الأخرم، وعمّي ملاعب الأسنّة، وأبي فارس قرزل. فقال أمية: بخ بخ!](٥) مرعى ولا كالسّعدان(٦). فأرسلها مثلا. فقال يزيد: يا عامر. هل تعلم شاعرا من قومي رحل(٧) بمدحة إلى رجل من قومك؟ قال: اللَّهم لا. قال: فهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدائحهم إلى قومي؟ قال: اللَّهم نعم. قال: فهل لكم نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان؟ قال لا. قال: فهل ملكناكم ولم تملكونا؟ قال نعم. فنهض يزيد وأنشأ يقول:
  أميّ يا بن الأسكر بن مدلج ... لا تجعلن هوازنا كمذحج
  إنّك إن تلهج بأمر تلجج ... ما النبع في مغرسه كالعوسج(٨) ... ولا الصّريح(٩) المحض كالممزّج
  قال: فقال مرّة بن دودان النّفيليّ(١٠) وكان عدوّا لعامر:
  يا ليت شعري عنك يا يزيد ... ماذا الَّذي من عامر تريد
  / لكلّ قوم فخركم عتيد ... أمطلقون(١١) نحن أم عبيد ... لا بل عبيد زادنا الهبيد(١٢)
  قال: فزوّج أمية يزيد بن عبد المدان ابنته. فقال يزيد في ذلك:
  يا للرجال لطارق الأحزان ... ولعامر بن طفيل الوسنان
(١) هو أبو البراء عامر بن مالك؛ سمي بملاعب الأسنة لقول أوس بن حجر فيه:
فلاعب أطراف الأسنة عامر ... فراح له حظ الكتيبة أجمع
(٢) في بعض الأصول: «إن ابن الديان» تحريف.
(٣) كذا في ط، ج، م، والكثيب هنا: موضع بساحل بحر اليمن. وفي سائر الأصول: «صاحب الكتيبة» تحريف.
(٤) تنظف: تقطر.
(٥) التكملة عن ط، م. وقرزل: فرس لطفيل بن مالك أبي عامر بن الطفيل.
(٦) السعدان: نبت، ومنابته السهول. وهو من أنجع المراعي في المال ولا تحسن على نبت حسنها عليه. وهو أخثر العشب لبنا. وإذا خثر لبن الراعية كان أفضل ما يكون وأطيب وأدسم. وهذا المثل يضرب للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. وقد ذكرته الخنساء بنت عمرو بن الشريد في بعض كلامها فقيل إنها أوّل من قاله، وقيل: هو لامرأة من طيء. (عن مجمع الأمثال بتصرف).
(٧) في ب، س: «سار».
(٨) النبع: ضرب من الشجر تتخذ منه القسي ومن أغصانه السهام، ينبت في قلل الجبال. والعوسج: ضرب من الشوك.
(٩) الصريح: الخالص من كل شيء.
(١٠) كذا في ط، م. وفي ج، أ: «النقلي» وفي ب، س: «السلمي» ولم نهتد إلى الصواب فيه.
(١١) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أمطمعون» وهو تحريف.
(١٢) الهبيد: حب الحنظل.