كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره

صفحة 271 - الجزء 12

  طلب بنو عامر إلى مرة بن دودان أن يهجو بني الديان فأبى

  فلمّا رجع القوم إلى بني عامر، وثبوا على مرّة بن دودان وقالوا له: أنت من بني عامر، وأنت شاعر، ولم تهج بني الدّيّان! فقال مرّة:

  تكلَّفني هوازن فخر قوم ... يقولون: الأنام لنا عبيد

  أبونا مذحج وبنو أبيه ... إذا ما عدّت الآباء هود⁣(⁣١)

  وهل لي إن فخرت بغير حقّ ... مقال والأنام لهم شهود

  فأنّى تضرب الأعلام⁣(⁣٢) صفحا ... عن العلياء أم من ذا يكيد⁣(⁣٣)

  فقولوا يا بني عيلان كنّا ... لهم قنّا⁣(⁣٤)، فما عنها محيد

  محاورة ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان والقيسيين

  وقال ابن الكلبيّ في هذه الرواية: قدم يزيد بن عبد المدان وعمرو بن معد يكرب ومكشوح المراديّ على ابن جفنة زوّارا، وعنده⁣(⁣٥) وجوه قيس: ملاعب الأسنّة عامر بن مالك، ويزيد بن عمرو بن الصّعق، ودريد بن الصّمّة.

  فقال ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان: ماذا كان يقول الدّيّان إذا أصبح فإنه كان ديّانا⁣(⁣٦). فقال: كان يقول: آمنت بالذي رفع هذه (يعني السماء)، ووضع هذه (يعني الأرض)، وشقّ هذه (يعني أصابعه)، ثم يخرّ ساجدا ويقول:

  سجد وجهي للَّذي خلقه⁣(⁣٧) وهو عاشم⁣(⁣٨)، وما جشّمني من شيء فإنّي جاشم. فإذا رفع رأسه قال:

  إن تغفر اللَّهم تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك ما ألمّا⁣(⁣٩)

  فقال ابن جفنة: إنّ هذا لذو دين. ثم مال⁣(⁣١٠) على القيسيين وقال: ألا تحدّثوني عن هذه الرياح /: الجنوب والشّمال والدّبور والصّبا والنّكباء، لم سمّيت بهذه الأسماء؛ فإنه قد أعياني علمها؟ فقال القوم: هذه أسماء وجدنا العرب عليها لا نعلم غير هذا فيها. فضحك يزيد بن عبد المدان ثم قال: يا خير الفتيان، ما كنت أحسب أنّ هذا يسقط⁣(⁣١١) علمه على هؤلاء وهم أهل الوبر. إنّ العرب تضرب أبياتها⁣(⁣١٢) في القبلة مطلع الشمس، لتدفئهم في الشّتاء


(١) هود: جمع هائد، وهو الراجع إلى الحق.

(٢) في بعض الأصول: «الأعمال».

(٣) في أ، ب، س: «تكيد» وهو تصحيف. والمعنى: كيف يضرب الأعلام المشهورون صفحا عن العلياء ويعرضوا عن السعي إليها مع أن ذلك سجية فيهم! أم من ذا يكيد عدوّه إذا لم يكد هؤلاء الأعلام عدوّهم! يصفهم بأنهم ذوو مكارم وقوة، ويقول: قوم هذا شأنهم كيف السبيل إلى هجوهم والنيل منهم!

(٤) القن: العبد ملك هو وأبواه، يطلق على المفرد والجمع، أو يجمع أفنانا وأقنة.

(٥) في ط، م. «فلقوا عنده».

(٦) المناسب من معاني الديان هنا: الحاكم والسائس والقاضي.

(٧) في ط، م، أ: «لمن خلقه».

(٨) العاشم: الطامع.

(٩) في ط، ج، م: «وكل عبد لك قد ألما». وألم: باشر اللمم أي صغار الذنوب.

(١٠) في ط، م: «ثم أقبل على ...».

(١١) كذا في جميع الأصول الخطية، بتضمين «يسقط» معنى «يخفى». وفي ب، س: «يسقط علمه عن».

(١٢) في ط، ح، م: «أبنيتها».