أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره
  وتزول عنهم في الصيف. فما هبّ من الرّياح عن يمين البيت فهي الجنوب، وما هبّ عن شماله فهي الشّمال، وما هبّ من أمامه فهي الصّبا، وما هبّ من خلفه فهي الدّبور، وما استدار من الرياح بين هذه الجهات فهي النّكباء.
  فقال ابن جفنة: إنّ هذا للعلم يا بن عبد المدان.
  سأل ابن جفنة القيسيين عن النعمان بن المنذر فعابوه فردّ عليهم يزيد
  وأقبل / على القيسيّين يسألهم عن النّعمان بن المنذر. فعابوه وصغّروه. فنظر ابن جفنة إلى يزيد فقال له: ما تقول يا بن عبد المدان؟ فقال يزيد(١): يا خير الفتيان. ليس صغيرا من منعك العراق، وشركك في الشام، وقيل له:
  أبيت اللَّعن. وقيل لك: يا خير الفتيان، وألفى أباه ملكا كما ألفيت أباك ملكا؛ فلا يسرّك من يغرّك؛ فإن هؤلاء لو سألهم عنك النّعمان لقالوا فيك مثل ما قالوا فيه. وأيم اللَّه ما فيهم رجل إلَّا ونعمة النّعمان عنده عظيمة! فغضب عامر بن مالك وقال له: يا بن الديّان! أما واللَّه لتحتلبنّ(٢) بها دما! فقال له: ولم؟ أزيد في هوازن(٣) من لا أعرفه؟
  فقال: لا! بل هم الذين تعرف. فضحك يزيد ثم قال: ما لهم جرأة(٤) بني الحارث، ولا فتك مراد، ولا بأس زبيد، ولا كيد جعفيّ(٥)، ولا مغارطيّء. وما هم ونحن يا خير الفتيان بسواء، ما قتلنا أسيرا قطَّ ولا اشتهينا(٦) حرّة قط، ولا بكينا قتيلا [حتى](٧) نبئ(٨) به. وإن هؤلاء ليعجزون عن ثأرهم، حتى يقتل السّميّ بالسميّ. والكنيّ بالكنيّ، والجار بالجار. وقال يزيد بن عبد المدان فيما كان بينه وبين القيسيّين شعرا غدا به على ابن جفنة:
  تمالا على النّعمان قوم إليهم ... موارده في ملكه ومصادره
  على غير ذنب كان منه إليهم ... سوى أنّه جادت عليهم مواطره
  فباعدهم من كلّ شرّ يخافه ... وقرّبهم من كلّ خير يبادره
  فظنّوا - وأعراض الظنون(٩) كثيرة - ... بأنّ الَّذي قالوا من الأمر ضائره
  فلم ينقصوه بالَّذي قيل شعرة ... ولا فلَّلت أنيابه وأظافره
  / وللحارث الجفنيّ أعلم بالَّذي ... ينوء(١٠) به النّعمان إن خفّ طائره
  فيا حار كم فيهم لنعمان نعمة ... من الفضل والمنّ الذي أنا ذاكره
  ذنوبا عفا عنها ومالا أفاده ... وعظما كسيرا قوّمته جوابره
(١) في ط، م: «فقال له يزيد».
(٢) كذا في ط، ج، م. وفي ب، س: «لنحتلبن». بالنون والحاء. وفي أ: «لنجتلبن» بالتاء والجيم.
(٣) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «ولو أريد في هوازن» وهو تحريف.
(٤) في ط، ج، م: «جمرة». والجمرة: الكثرة والعدد.
(٥) في بعض الأصول: «جعف»، وهو تحريف.
(٦) في ط، م: «ولا استهنا حرة». ولعلها: «امتهنا حرة».
(٧) التكملة من ط. م.
(٨) أباء القاتل بالقتيل: قتله به.
(٩) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: المنون «وهو تحريف.
(١٠) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «يبوء به النعمان إن جف» تصحيف. يقال خف طائر فلان إذا استخف واستفز. والوارد في كتب اللغة: طار طائر فلان. ويقال في ضد ذلك: وقع طائر فلان، وسكن طائره، وفلان ساكن الطير، إذا كان وقورا. ويقول إن الحارث الجفني أعلم الناس بما ينهض به النعمان ويقوم به من الأعمال إن استفزه مستفز وأغضبه.