كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره

صفحة 273 - الجزء 12

  ولو سأل عنك العائبين⁣(⁣١) ابن منذر ... لقالوا له القول الذي لا يحاوره⁣(⁣٢)

  قال: فلمّا سمع ابن جفنة هذا القول عظم يزيد في عينه، وأجلسه⁣(⁣٣) معه على سريره، وسقاه بيده، وأعطاه عطيّة لم يعطها أحدا ممن وفد عليه قطَّ.

  استشفع جذامي إلى يزيد عند ابن جفنة فوهبه له

  فلما قرّب يزيد ركائبه ليرتحل سمع صوتا إلى جانبه، وإذا هو رجل يقول:

  أما من شفيع من الزائرين ... يحبّ الثّناء زنده ثاقب⁣(⁣٤)

  / يريد ابن جفنة إكرامه ... وقد يمسح الضّرّة الحالب

  فينقذني من أظافيره ... وإلَّا فإنّي غدا ذاهب

  فقد قلت يوما على كربة ... وفي الشّرب⁣(⁣٥) في يثرب غالب

  ألا ليت غسّان في ملكها ... كلخم، وقد يخطئ الشارب

  وما في ابن جفنة من سبّة ... وقد خفّ حلمي بها العازب⁣(⁣٦)

  كأنّي غريب من الأبعدين ... وفي الحلق منّي شجا ناشب

  / فقال يزيد: عليّ بالرجل، فأتي به. فقال: ما خطبك؟ أنت تقول هذا الشعر؟ قال: لا! بل قاله رجل من جذام جفاه ابن جفنة، وكان له عند النّعمان منزلة، فشرب فقال⁣(⁣٧) على شرابه شيئا أنكره عليه ابن جفنة فحبسه، وهو مخرجه غدا فقاتله. فقال [له]⁣(⁣٨) يزيد: أنا أغنيك⁣(⁣٩). فقال له: ومن أنت حتى أعرفك⁣(⁣١٠)؟ فقال: أنا يزيد بن عبد المدان. فقال: أنت لها وأبيك؟ قال: أجل! قد كفيتك أمر صاحبك⁣(⁣١١)، فلا يسمعنّك أحد تنشد هذا الشعر.

  وغدا يزيد على ابن جفنة ليودّعه؛ فقال له: حيّاك اللَّه يا بن الديّان! حاجتك. قال: تلحق قضاعة الشأم [بغسّان]⁣(⁣١٢)، وتؤثر من أتاك من وفود مذحج، وتهب لي الجذاميّ الذي لا شفيع له إلَّا كرمك. قال: قد فعلت. أما إنّي حبسته لأهبه لسيّد أهل ناحيتك، فكنت⁣(⁣١٣) ذلك السيّد، ووهبه له. فاحتمله يزيد معه، ولم يزل مجاورا له بنجران في بني


(١) كذا في م، أ. وفي سائر الأصول: «الغائبين» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.

(٢) كذا في ج أي لا يراجعه. وفي ط، م: «لا يجاوره» بالجيم. وفي سائر الأصول: «لا يحاذره».

(٣) في ط: «فأجلسه».

(٤) ثقوب الزند ووريه: كناية عن الكرم وغيره من الخصال المحمودة.

(٥) الشرب (بالفتح): جماعة الشاربين.

(٦) كذا في ط، م. وفي ب، س: «وقد خف حملا بها الغارب». وفي سائر الأصول: «حلمي» مثل ط، م، غير أن في ج: «الغارب» وفي أ: «القارب» تصحيف.

(٧) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فقال له» بزيادة «له».

(٨) زيادة عن ط، م.

(٩) أغنيك أي أكفيك هذا الأمر الذي يشق عليك. وفي أ: «أعينك».

(١٠) في ط، ج، م: «ومن أنت أعرفك».

(١١) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أمره».

(١٢) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.

(١٣) كذ في ط، م. وفي سائر الأصول: «وكنت» بالواو.