أخبار مع عبد الله بن الحشرج
  أقام لأهل الأرض دين محمد ... وقد أدبروا وارتاب كلّ مضلَّل
  / فما زال حتّى قوم الدّين سيفه ... وعزّ(١) بحزم كلّ قرم محجّل
  وغادر أهل الشّك(٢) شتّى، فمنهم(٣) ... قتيل وناج فوق أجرد هيكل
  نجا من رماح القوم قدما(٤) وقد بدا ... تباشيره في العارض المتهلَّل
  قال عاصم: يعني بهذا المدح محمد بن مروان لمّا قتل مصعب بن الزّبير بدير الجاثليق(٥). وكان محمد بن مروان يقوم بأمره، ويولَّيه الأعمال، ويشفع له إلى أخيه عبد الملك.
  حواره مع ابن عم له لامه في تبذيره
  أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن عطاء بن(٦) مصعب عن عاصم بن الحدثان قال:
  قال عبد اللَّه بن الحشرج لابن عمّ له لامه في إنهاب ماله وتبذيره إيّاه، وقال له فيما يقول: امرأتك كانت أعلم بك، نصحتك فكافأتها بالطلاق. فقال له: يا بن عمّ، إنّ المرأة لم تخلق للمشورة، وإنما خلقت وثارا للباءة(٧).
  وواللَّه إنّ الرّشد واليمن لفي خلاف المرأة. يا بن عمّ، إيّاك واستماع كلام النساء والأخذ به؛ فإنك إن أخذت به ندمت. فقال له ابن عمّه: واللَّه ليوشكنّ أن تحتاج يوما إلى بعض ما أتلفت فلا تقدر عليه ولا يخلفه عليك هن وهن(٨). فقال ابن الحشرج:
  /
  وعاذلة هبّت بليل تلومني ... وتعذلني فيما أفيد وأتلف
  تلوّمتها(٩) حتّى إذا هي أكثرت ... أتيت الذي كانت لديّ توكَّف(١٠)
  وقلت(١١) عليك الفجّ(١٢) أكثرت في النّدى ... ومثلي تحاماه الألدّ المغطرف(١٣)
  أبي لي ما قد سمتني غير واحد ... أب وجدود مجدها ليس يوصف
(١) عز هنا: غلب. والقرم هنا: السيد من الرجال.
(٢) كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «أهل الشرك».
(٣) كذا في ط، م. وفي أ: «شتى كأنهم». وفي ج، ب، س: «حتى كأنهم» تحريف.
(٤) يقال: مضى فلان قدما (بضمتين، وقد يسكن كما هنا)، إذا مضى أمامه لم يعرج ولم يثنه شيء.
(٥) دير الجاثليق: كان قرب بغداد، غربي دجلة بين السواد وأرض تكريت.
(٦) في بعض الأصول: «عطاء عن مصعب» تحريف.
(٧) كذا في ط، م. والوثار (بالفتح وبالكسر): الفراش الوطئ. وفي سائر الأصول: «دثارا».
(٨) هن: كناية عن اسم الإنسان، أي لا يخلفه عليك فلان وفلان.
(٩) تلومتها: أمهلتها وانتظرت عليها.
(١٠) توكف: توقع. وأصله «تتوكف».
(١١) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «وقالت» تحريف.
(١٢) في ب، س: «الفخ» تصحيف. والفج: الطريق الواسع البين. أي الزمي الطريق الواضح. يريد بذلك تسريحها وتطليقها. وقوله أكثرت في الندى أي أكثرت الكلام واللوم فيه.
(١٣) تحاماه: توقاه واجتنبه والألد من الرجال: الشديد الخصومة والجدل. والمغطرف: المتكبر المختال.