كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الطرماح ونسبه

صفحة 291 - الجزء 12

  قال: أعلمتم أنّي في طلب هذا البيت منذ سنة، فما ظفرت به إلَّا آنفا، وأحسبكم قد رأيتم السجدة له. ثم أسمعهم قوله:

  ما بال عينك منها الماء ينسكب

  ثم أنشدهم كلمته الأخرى التي يقول فيها:

  إذا اللَّيل عن نشز تجلَّى رمينة ... بأمثال أبصار النّساء الفوارك

  / قال: فضرب الكميت بيده على صدر الطَّرمّاح، ثم قال: هذه واللَّه الدّيباج لا نسجي ونسجك الكرابيس⁣(⁣١).

  فقال الطرماح: لن أقول ذلك وإن أقررت بجودته. فقطَّب⁣(⁣٢) ذو الرّمّة وقال: يا طرمّاح! أأنت تحسن أن نقول:

  وكائن تخطَّت ناقتي من مفازة ... إليك ومن أحواض ماء مسدّم⁣(⁣٣)

  بأعقاره القردان هزلى كأنّها ... نوادر صيصاء الهبيد المحطَّم⁣(⁣٤)

  فأصغى الطَّرمّاح إلى الكميت وقال له: فانظر ما أخذ من ثواب هذا الشعر! - قال: وهذه قصيدة مدح بها ذو الرّمّة عبد الملك، فلم يمدحه فيها ولا ذكره إلَّا بهذين البيتين، وسائرها في ناقته. فلمّا قدم على عبد الملك بها أنشده إيّاها. فقال له: ما مدحت بهذه القصيدة إلا ناقتك، فخذ منها الثّواب. وكان ذو الرّمّة غير محظوظ من المديح - قال: فلم يفهم ذو الرمّة قول الطرماح للكميت. فقال له الكميت: إنه ذو الرمّة وله فضله، فأعتبه⁣(⁣٥) فقال له الطرماح: معذرة إليك! إنّ عنان الشّعر لفي كفّك، فارجع معتبا، وأقول فيك كما قال أبو المستهلّ.

  مر يخطر بمسجد البصرة فسأل عنه رجل فأنشد هو شعرا

  أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى الصّولي قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن إبراهيم بن عبّاد قال حدّثني أبو تمّام الطائيّ قال:

  مرّ الطرماح بن حكيم في مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته. فقال رجل: من هذا الخطَّار؟ فسمعه فقال: أنا الذي أقول:

  صوت

  لقد زادني حبّا لنفس أنّني ... بغيض إلى كلّ امرئ غير طائل⁣(⁣٦)


(١) الكرابيس: جمع كرباس (بكسر الكاف) وهو ثوب غليظ من القطن.

(٢) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فغضب».

(٣) الماء المسدم: المتغير لطول العهد.

(٤) في هذا البيت تحريف كثير في الأصول. والصواب في ط و «الديوان». والأعقار: جمع عقر. وعقر الحوض: مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردت. وفي «الديوان»: «بأعطانه». وقد أشار شارح «الديوان» إلى روايتنا. والأعطان: مبارك الإبل. والهبيد: حب الحنظل.

والصيصاء: الضاوي الهزيل منه. يقول: القردان ليس لديها شيء تأكله فهي هزلى؛ فشبهها بما يشذ ويخرج من ضاوي حب الحنظل. (راجع شرح «الديوان»).

(٥) أعتبه: أرضاه وأزال عتبه.

(٦) رجل غير طائل أي دون خسيس.