كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مروان الأصغر

صفحة 324 - الجزء 12

  مروان بن أبي الجنوب، فذكر مثل هذا الخبر سواء، وقال بعد قوله: «لا واللَّه لا أمسك حتّى أغرّقك»: سلني حاجتك. فقلت: يا أمير المؤمنين، الضّيعة التي أمرت أن أقطعها باليمامة - ذكر ابن المدبّر أنّها وقف المعتصم على ولده - فقال: قد قبّلتك⁣(⁣١) إيّاها مائة سنة بمائة درهم. فقلت: لا يحسن أن تضمن ضيعة بدرهم في السنة. فقال ابن المدّبر: فبألف درهم في كلّ سنة. فقلت نعم. فأمر ابن المدبّر أن⁣(⁣٢) ينفد ذلك لي، وقال: ليست هذه حاجة، هذه قبالة، فسلني حاجتك. فقلت: ضيعة يقال لها السّيوح⁣(⁣٣) أمر الواثق بإقطاعي إيّاها، فمنعنيها ابن الزيّات؛ فأمر بامضاء الإقطاع لي.

  كان علي بن الجهم يطعن عليه حسدا له على موضعه من المتوكل، فهجاه هو في حضرة المتوكل وغلبه

  حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني علي بن يحي المنجّم قال:

  كان عليّ بن الجهم يطعن على مروان بن أبي الجنوب ويثلبه حسدا له على موضعه من المتوكَّل. فقال له المتوكَّل [يوما]⁣(⁣٤): يا عليّ، أيّما أشعر أنت أو مروان؟ فقال: أنا يا أمير المؤمنين. فأقبل على مروان فقال له: قد سمعت، فما عندك؟ / قال: كلّ أحد أشعر منّي يا أمير المؤمنين، وما أصف نفسي ولا أزكَّيها. وإذا رضيني أمير المؤمنين فما أبالي من زيّفني. فقال له: قد صدّقتك، عليّ يزعم سرا وجهرا أنّه أشعر منك. فالتفت إليه مروان فقال له: يا عليّ! أأنت أشعر منّي؟ فقال: أو تشكّ في ذاك؟ قال: نعم! أشكّ وأشكّ وهذا أمير المؤمنين بيننا. فقال له عليّ: إنّ أمير المؤمنين يحابيك. فقال المتوكل: هذا عيّ منك يا عليّ؛ ثم قال لابن حمدون: احكم بينهما. فقال:

  طرحتني واللَّه يا أمير المؤمنين بين أنياب ومخالب أسدين. قال: واللَّه لتحكمّن بينهما. فقال له: أمّا إذ⁣(⁣٥) حلفت يا أمير المؤمنين فأشعرهما عندي أعرفهما في الشّعر. فقال له المتوكل: قد سمعت يا عليّ. قال: قد عرف ميلك إليه فمال معه. فقال: دعنا منك، هذا كلَّه عيّ، فإن كنت صادقا فاهج مروان. قال: [قد]⁣(⁣٦) سكرت ولا فضل فيّ.

  فقال المتوكل لمروان: اهجه أنت، وبحياتي لا تبق⁣(⁣٧) غاية. فقال مروان⁣(⁣٨):

  إن ابن جهم في المغيب يعيبني ... ويقول لي حسنا إذا لاقاني

  صغرت مهابته وعظَّم بطنه ... فكأنّما في بطنه ولدان

  ويح ابن جهم ليس يرحم أمّه ... لو كان يرحمها لما عاداني

  فإذا التقينا ناك شعري شعره ... ونزا على شيطانه شيطاني

  قال: فضحك المتوكل والجلساء منه، وانخزل⁣(⁣٩) ابن الجهم، فلم يكن عنده أكثر من أن قال: جمع حيلة


(١) قبلتك إياها أي ضمنتها لك والتزمت بذلك. والاسم القبالة (بالفتح).

(٢) في ف: «فأمر بأن ينفذ ...».

(٣) في ف: «السيوخ».

(٤) زيادة من ف.

(٥) في بعض الأصول: «إذا» تحريف.

(٦) زيادة في ط، م.

(٧) كذا في ط، ح، م. وفي سائر الأصول: «لا تبقي».

(٨) زيد في ب، س، ح هنا: «قوله».

(٩) كذا في ط، ح، م. وانخزل في كلامه: انقطع. وفي سائر الأصول: «انخذل» بالذال، تحريف.