أخبار مروان الأصغر
  نقد أبو العنبس الصيمري شعرا له فتهاجرا
  حدّثني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال: أنشد مروان بن أبي الجنوب المتوكَّل ذات يوم:
  إنّي نزلت بساحة المتوكَّل ... ونزلت في أقصى ديار الموصل
  فقال له بعض من حضر: فكيف الاتّصال بين هؤلاء والمراسلة؟ فقال أبو العنبس الصّيمري: كان له حمام(١) هدىّ يبعث بها إليه من الموصل حتّى يكاتبه على أجنحتها. فضحك المتوكَّل حتى استلقى، وخجل مروان وحلف بالطلاق لا يكلَّم أبا العنبس أبدا، فماتا متهاجرين. كذا أكبر حفظي أنّ جحظة حدّثني به عن عليّ بن يحيى؛ فإنّي كتبته عن حفظي.
  أنشد المتوكل في مرضه بالحمى قصيدة، فقال عليّ بن الجهم أن بعضها منتحل
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال قرأت في كتاب قديم:
  قال عوف بن محلَّم لعبد اللَّه بن طاهر في علَّة اعتلَّها:
  فإن تك حمّى(٢) الرّبع شفّك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر
  وقيناك لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بنا الشّكوى وكان لك الأجر
  قال: ثم حمّ المتوكَّل حمّى الرّبع، فدخل عليه مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، فأنشده قصيدة له على هذا الرّويّ، وأدخل البيتين فيها، فسرّ بها(٣) / المتوكل. فقال له عليّ بن الجهم: يا أمير المؤمنين، هذا شعر مقول، والتفت إليّ وقال: هذا(٤) يعلم. فالتفت إليّ [المتوكَّل] وقال(٥): أتعرفه؟ فقلت: ما سمعته قبل اليوم. فشتم عليّ بن الجهم وقال له: هذا من حسدك وشرّك وكذبك. فلمّا خرجنا قال عليّ بن الجهم: ويحك! مالك قد جننت! أما تعرف هذا الشعر؟ قلت: بلى! وأنشدته إيّاه. فلَّما عدت إلى المتوكَّل من غد قال له: يا أمير المؤمنين، قد اعترف لي بالشّعر وأنشدنيه،. فقال لي: أكذاك هو؟ فقلت: كذب [يا أمير المؤمنين](٦)! ما سمعت به قطَّ فازداد عليه غيظا وله شتما. فلمّا خرجنا قال لي: ما في الأرض شرّ منك. فقلت له: أنت أحمق، تريد منّي أن أجيء إلى شعر قد قاله فيه شاعر يحبّه ويعجبه شعره فأقول له: إنّي أعرفه فأوقع نفسي وعرضي / في لسان الشاعر لترتفع أنت عنده، ويسقط ذاك ويبغضني(٧) أنا!
(١) الحمام الهدّاء: ضرب من الحمام يدرّب على السفر من مكان إلى مكان، فيرسل من أمكنة بعيدة فيذهب إلى حيث يراد منه أن يذهب، الواحد هاد، والجمع هدّى (بالقصر) وهدّاء (بالمدّ)؛ كما يقال غاز وغزىّ وغزّاء. وورود هذين الجمعين في الوصف المعتل اللام نادر.
(٢) حمى الربع: التي تنوب في اليوم ثم تدع المريض يومين ثم ترده في اليوم الرابع.
(٣) في ط، ف: «فأدخل البيتين فسر بهما ...».
(٤) في ف: «قال: وهذا يعلم».
(٥) في ف: «فقال لي المتوكل: أتعرفه».
(٦) زيادة في ف.
(٧) كذا في ف. وفي سائر الأصول: «ويبغضني أيضا».