كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر مقتل الوليد بن طريف

صفحة 334 - الجزء 12

  كان الوليد بن طريف الشّيبانيّ رأس الخوارج وأشدّهم بأسا وصولة وأشجعهم؛ فكان من بالشّمّاسيّة⁣(⁣١) لا يأمن طروقه [إياه]⁣(⁣٢)، واشتدّت شوكته وطالت أيّامه. فوجّه إليه / الرشيد يزيد بن مزيد الشّيبانيّ، فجعل يخاتله ويماكره. وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد بن مزيد، فأغروا به أمير المؤمنين، وقالوا: إنما يتجافى عنه للرّحم، وإلَّا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره. فوجّه إليه الرشيد كتاب مغضب يقول فيه: «لو وجّهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنّك مداهن متعصّب. وأمير المؤمنين يقسم باللَّه لئن أخّرت مناجزة الوليد ليوجّهنّ إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين». فلقي الوليد عشيّة خميس في شهر رمضان. فيقال: إنّ يزيد جهد عطشا حتى رمى بخاتمه في فيه، فجعل يلوكه ويقول: اللَّهمّ إنّها⁣(⁣٣) شدّة شديدة فاسترها. وقال لأصحابه: فداكم أبي وأمّي، إنما هي الخوارج ولهم حملة، فاثبتوا لهم تحت التّراس⁣(⁣٤)، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا؛ فإنّهم إذا انهزموا لم يرجعوا. فكان كما قال، حملوا حملة وثبت يزيد ومن معه من عشيرته وأصحابه، ثم حمل عليهم فانكشفوا. ويقال: إنّ أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه جدّا؛ وكان لا يفصل بينهما إلَّا المتأمّل، وكان أكثر ما يباعده منه ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره⁣(⁣٥) ومنحرفة على جبهته؛ فكان أسد يتمنّى مثلها. فهوت له ضربة فأخرج وجهه من التّرس فأصابته في ذلك الموضع. فيقال: إنّه لو خطَّت على مثال ضربة أبيه ما عدا⁣(⁣٦)، جاءت كأنّها هي. واتبع يزيد الوليد بن طريف فلحقه بعد مسافة بعيدة فأخذ رأسه. وكان الوليد خرج إليهم حيث خرج وهو يقول:

  أنا الوليد بن طريف الشّاري ... قسورة لا يصطلى بناري

  جوركم أخرجني من داري

  خرجت أخته لتثأر له فزجرها يزيد بن مزيد

  فلمّا وقع فيهم السّيف وأخذ رأس الوليد، صبّحتهم⁣(⁣٧) أخته ليلى بنت طريف مستعدّة عليها الدّرع والجوشن، فجعلت تحمل على الناس فعرفت. فقال يزيد: دعوها، ثم خرج إليها فضرب بالرّمح قطاة⁣(⁣٨) فرسها، ثم قال اغربي غرّب اللَّه عليك⁣(⁣٩)! فقد فضحت العشيرة؛ فاستحيت وانصرفت وهي تقول:

  /

  أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف

  فتى لا يحبّ الزّاد إلَّا من التّقى ... ولا المال إلَّا من قناَّ وسيوف


(١) الشماسية: محلَّة كانت قريبة من بغداد.

(٢) زيادة في ف.

(٣) في ف: «ليلة شديدة».

(٤) التراس: جمع ترس (بالضم)، وهو صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف ونحوه.

(٥) في ط، ف: «شعره منحرفة» بدون الواو.

(٦) ما عدا، أي ما جاوز خط ضربته مثال ضربة أبيه. وقوله. «جاءت كأنها هي» بيان لقوله: «ما عدا».

(٧) في ح و «معاهد التنصيص»: «صحبتهم».

(٨) قطاة الفرس: عجزها أو مقعد الرديف منها.

(٩) كذا في ط و «معاهد التنصيص». وفي ب، س: «غرب اللَّه عينيك». وفي «الكامل»: «اعزبي عزب اللَّه عليك» بالزاي.