خبر مقتل الوليد بن طريف
  ولا الذّخر إلَّا كلّ جرداء صلدم ... وكلّ رقيق الشّفرتين خفيف(١)
  فلمّا انصرف يزيد بالظَّفر حجب برأي البرامكة، وأظهر الرشيد السخط عليه. فقال: وحقّ أمير المؤمنين لأصفّينّ وأشتونّ على فرسي أو أدخل. فارتفع الخبر بذلك فأذن له فدخل. فلمّا رآه أمير المؤمنين ضحك وسرّ وأقبل يصيح: مرحبا بالأعرابيّ! حتى دخل وأجلس وأكرم وعرف بلاؤه ونقاء صدره.
  من قصيدة مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد
  ومدّحه الشعراء بذلك. فكان أحسنهم مدحا مسلم بن الوليد؛ فقال فيه قصيدته التي أولها:
  أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي(٢)
  / هاج البكاء على العين الطَّموح هوى ... مفرّق بين توديع ومحتمل(٣)
  كيف السّلوّ لقلب بات مختبلا ... يهذي بصاحب قلب غير مختبل(٤)
  وفيها يقول:
  يفترّ عند افترار الحرب مبتسما ... إذا تغيّر وجه الفارس البطل(٥)
  موف على مهج في يوم ذي رهج(٦) ... كأنّه أجل يسعى إلى أمل
  ينال بالرّفق ما يعيا الرّجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل
  لا يرحل النّاس إلَّا نحو حجرته(٧) ... كالبيت يفضي إليه ملتقى السّبل
  يقري المنيّة أرواح العداة كما ... يقري الضّيوف شحوم الكوم والبزل(٨)
(١) الصلدم من الخيل: الشديدة الحافر. ورقيق الشفرتين: السيف.
(٢) كذا في ف. وفي «ديوان مسلم بن الوليد»: «في العذل». وفي سائر الأصول: «عن عذلي» تحريف. تقول العرب: أجررت فلانا رسنه إذا مهلت له في إرادته. وأصله أن تمهل للدابة في الرعي جارة رسنها. فيقول: أجررت حبل خليع في الصبا، أي حبل من خلع عذاره في الصبا. وغزل: ذي غزل ومجانة. وقوله «وشمرت ...» أي حين رأوني قد صبوت. والخليع أيضا: من يخلعه قومه لشرّه. فإن ذهب أحد إلى هذا فمعناه رجل قد تبرأ منه قومه. (عن «شرح ديوان مسلم» ببعض تصرف).
(٣) في ف: «ومرتحل». والطموح: المرتفعة في النظر إلى الأحبة وهم سائرون. فيقول: هاج البكاء على العين هوى مفرق بين توديع ومحتمل، أي مقسم، بعضه في توديع الأحبة وبعضه في احتمالهم. (عن «شرح ديوان مسلم»).
(٤) في ف و «ديوان مسلم»: «راح مختبلا». ومختبل: مخبول العقل فاسده. والهذيان: الكلام الذي يفضي بصاحبه إلى ما لا يفهم عنه.
وإنما يكون ذلك عن علة تفضي بصاحبها إلى الهذيان فيتكلم بما يأتيه دون أن يعرف ما يقول.
(٥) افتر فلان ضاحكا: أبدى أسنانه عند الضحك. وافترار الحرب: تكشيرها عن أنيابها، وهذا كناية عن شدتها. يقول: يبتسم من قلة مبالاته بالحرب إذا تغير وجه الفارس البطل من هول الحرب وشدتها.
(٦) في «ديوان مسلم»: «واليوم ذو رهج». والرهج الغبار. يقول: يوفي على المهج بالقتل في يوم قد ثار نقعه من شدة القتال؛ فهو يعمل عمل الأجل في الأمل.
(٧) كذا في ف والديوان. وفي سائر الأصول: ... حول حجرته» يقول: لا يرحل الناس لطلب عطاء إلا نحو بيته، كالبيت (يعني بيت اللَّه الحرام مكة) يفضي إليه ملتقى السبل، أي عنده ملتقى الطرق كلها.
(٨) ف: «الكماة» بدل «العداة». والكوم من النوق: العظام الأسمنة، واحدتها كوماء. والبزل: جمع: بزول وهو ما بلغ من الإبل تسع سنين.