كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي زبيد ونسبه

صفحة 357 - الجزء 12

  لأحسبك جبانا هدانا⁣(⁣١). قال: كلا يا أمير المؤمنين، ولكنّي رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدّد ويتردّد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان ¥: وأنّى كان ذلك؟ قال:

  خرجت في صيّابة⁣(⁣٢) أشراف من أفناء⁣(⁣٣) / قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهارى⁣(⁣٤) بأكسائها⁣(⁣٥)، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ملك الشأم؛ فاخروّط⁣(⁣٦) بنا السير في حمارّة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه⁣(⁣٧)، وذبلت الشّفاه، وشالت المياه⁣(⁣٨)، وأذكت الجوزاء المعزاء⁣(⁣٩)، وذاب الصّيهد⁣(⁣١٠)، وصرّ الجندب⁣(⁣١١)، وضاف العصفور الضّبّ وجاوره في حجره⁣(⁣١٢)، قال قائل: أيّها الرّكب غوّروا⁣(⁣١٣) بنا في ضوج⁣(⁣١٤) هذا الوادي، / وإذا واد قد بدا لنا كثير الدّغل⁣(⁣١٥)، دائم الغلل⁣(⁣١٦)؛ شجراؤه مغنّة، وأطياره مرنّة⁣(⁣١٧). فحططنا رحالنا بأصول دوحات كتهبلات⁣(⁣١٨) فأصبنا من فضلات الزّاد وأتبعناها الماء البارد. فإنّا لنصف حرّ يومنا ومماطلته⁣(⁣١٩)، إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه⁣(⁣٢٠)، وفحص الأرض بيديه. فو اللَّه ما لبث أن جال، ثم حمحم⁣(⁣٢١) فبال، ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا، فتضعضعت الخيل، وتكعكعت⁣(⁣٢٢) الإبل، وتقهقرت البغال، فمن نافر بشكاله⁣(⁣٢٣)، وناهض بعقاله؛ فعلمنا


(١) كذا في ف، وهامش ط، «وطبقات ابن سلام». وفي «لسان العرب»، وفي «حديث عثمان»: «جبانا هدانا». والهدان (بكسر الهاء):

الأحمق الثقيل. وفي سائر الأصول: «جبانا هرابا».

(٢) صباب القوم: خيارهم وسادتهم.

(٣) كذا في ف، ج، «وطبقات ابن سلام». ومن أفناء قبائل العرب، أي لا يدري من أي القبائل هم، وفي سائر الأصول: «أبناء».

(٤) المهاري: جمع مهرية، منسوبة إلى مهرة؛ حي من قضاعة من عرب اليمن، وقيل نسبة إلى البلد. والإبل المهرية؛ نجائب تسبق الخيل.

(٥) أكساء: جمع كسي (بالضم) وهو مؤخر العجز. وفي «الطبقات»: «أنسائها».

(٦) اخروّط: طال.

(٧) عصبت الأفواه: جفت.

(٨) شالت المياه: قلَّت.

(٩) المعزاء: الأرض الصلبة كثيرة الحصى.

(١٠) الصيهد: السراب الجاري وشدّة الحر.

(١١) صر: صوّت. والجندب: الصغير من الجراد.

(١٢) كذا في ح، ط، م. وفي ف: «وضاف العصفور الضب في حجره». وفي ب، س: «وأضاف العصفور الضب في وكره وجاوره في حجره» تحريف.

وقد جاء في «كتاب الحيوان» للجاحظ (ج ٦ ص ٣٨ طبعة التقدّم): «وما أكثر ما يذكرون الضب إذا ذكروا الصيف مثل قول الشاعر:

سار أبو مسلم عنها بصرمته ... والضب في الحجر والعصفور مجتمع «

(١٣) غوّر الرجل: أتى الغور، وهو ما انحدر من الأرض.

(١٤) الضوج: منعطف الوادي.

(١٥) الدغل: الشجر الكثير الملتف.

(١٦) الغال: الماء الذي يجري بين الأشجار.

(١٧) مرنة: مصونة، يريد مغردة.

(١٨) الكنهبل (كسفرجل، وتضم باؤه): شجر عظام.

(١٩) مماطلته: طوله وامتداده.

(٢٠) صر أذنيه: سوّاهما ونصبهما للاستماع.

(٢١) الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل.

(٢٢) تكعكعت: تأخرت إلى وراء.

(٢٣) الشكال (بالكسر): الحبل الذي تشدّ به قوائم الدابة.