كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي زبيد ونسبه

صفحة 359 - الجزء 12

  مثل فاكفهرّ⁣(⁣١)، ثم تجهّم فازبأرّ⁣(⁣٢). فلاوذو⁣(⁣٣) بيته في السماء ما اتّقيناه إلا بأوّل أخ⁣(⁣٤) لنا من فزارة، كان ضخم الجزارة⁣(⁣٥)، فوقصه⁣(⁣٦) ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه⁣(⁣٧)، فجعل يلغ في دمه. فذمرت أصحابي⁣(⁣٨)، فبعد لأي ما استقدموا. فهجهجنا⁣(⁣٩) به، فكرّ مقشعرّا بزبرته⁣(⁣١٠)، كأنّ به شيهما حوليّا⁣(⁣١١)، فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا⁣(⁣١٢)، فنفضه / نفضة تزايلت [منها]⁣(⁣١٣) مفاصله، ثم نهم ففرفر⁣(⁣١٤)، ثم زفر فبربر⁣(⁣١٥)، ثم زأر فجرجر⁣(⁣١٦)، ثم لحظ⁣(⁣١٧)، فو اللَّه لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه. فأرعشت الأيدي، واصطكَّت الأرجل، وأطَّت الأضلاع⁣(⁣١٨)، وارتجّت الأسماع، وشخصت العيون، وتحقّقت الظَّنون، وانخزلت المتون. فقال له عثمان: اسكت قطع اللَّه لسانك! فقد أرعبت قلوب المسلمين.

  خوفه من الأسد

  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثني العمريّ قال حدّثني شعبة قال:

  قلت للطَّرمّاح بن حكيم: ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد؟ فقال: إنّه لقيه بالنّجف⁣(⁣١٩)، فلمّا رآه⁣(⁣٢٠) سلح من فرقه - وقال مرة أخرى: فسلَّحه - فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت.

  شعره في ضربة المكاء

  أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلَّام قال حدّثني أبي عمن يثق به أنّ رجلا من طيّئ من بني حيّة نزل به رجل من بني الحارث بن ذهل بن شيبان يقال له المكَّاء⁣(⁣٢١)؛ فذبح له شاة وسقاه الخمر، فلما سكر الطائيّ قال: هلمّ


(١) مثل: قام منتصبا. واكفهر: كشر.

(٢) تجهم: صار وجهه كريها. وازبأر: تنفش حتى ظهرت أصول وبر شعره.

(٣) ذو: بمعنى الذي في لغة طيئ.

(٤) كذا في ف. وفي «طبقات ابن سلام»: «إلا بأخ». وفي ج، ط، م: «ما اتقيناه بأول أخ». وفي ب، ص: «ما اتقيناه بأخ». تحريف.

(٥) ضخم الجزارة: كبير الرأس واليدين والرجلين. يريد أنه عظيم الجسم.

(٦) وقصه: دق عنقه.

(٧) قضقض متنيه: كسر متني الظهر، وهما مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم.

(٨) ذمر أصحابه: لامهم وحضهم وحثهم.

(٩) هجهجنا به: صحنا به وزجرناه ليكف.

(١٠) كذا في ف. والزبرة: الشعر المجتمع بين كتفي الأسد. وفي سائر الأصول: «بزبره».

(١١) الشيهم: ما عظم شوكه من ذكور القنافذ. والحولي: ما أتى عليه حول.

(١٢) اختلج رجلا: انتزعه. وأعجز: ممتلئ جدا، أو عظيم البطن. والحوايا: الأمعاء.

(١٣) زيادة عن ف.

(١٤) نهم: أخرج صوتا كالأنين. وفرفر: صاح.

(١٥) زفر: أخرج صوتا بعد مدّه إياه. وبربر؛ صاح.

(١٦) جرجر: ردّد صوته في حنجرته.

(١٧) لحظ: نظر بمؤخر العين عن يمين ويسار غاضبا.

(١٨) أطت الأضلاع: صوّتت.

(١٩) النجف (بالتحريك): قال السهيلي: «بالفرع» عينان يقال لأحدهما الربض وللأخرى النجف تسقيان عشرين ألف نخلة، وهو بظهر الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها. «راجع معجم البلدان».

(٢٠) كذا في ف. وفي سائر الأصول: «لقيه».

(٢١) في ف هنا وفيما يأتي: «البكاء». تحريف «راجع خزانة الأدب» (ج ٢ ص ١٥٣ - ١٥٤).