أخبار أبي زبيد ونسبه
  لامه قومه على كثرة وصفه الأسد مخافة أن تسبهم العرب فأجابهم
  وهي قصيدة طويلة. فلامه قومه على كثرة وصفه للأسد، وقالوا له: قد خفنا أن تسبّنا العرب بوصفك له.
  قال: لو رأيتم منه ما رأيت أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني. ثم أمسك عن وصفه فلم يصفه بعد ذلك في شعره حتى مات.
  وصف النعمان بن المنذر وذكر ما حدث في مجلس له
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني أبو سعيد السكَّريّ قال حدّثني هارون بن مسلم بن سعدان أبو القاسم قال حدّثنا هشام ابن الكلبيّ قال: كان الأجلح الكنديّ يحدّث عن عمارة بن قابوس قال:
  لقيت أبا زبيد الطائيّ فقلت له: يا أبا زبيد هل أتيت النّعمان بن المنذر؟ قال إي واللَّه لقد أتيته وجالسته. قال قلت: فصفه لي. فقال: كان أحمر أزرق أبرش قصيرا. فقلت له: باللَّه أخبرني أيسرّك أنه سمع مقالتك هذه وأنّ لك حمر النّعم؟ قال: لا واللَّه ولا سودها؛ فقد رأيت ملوك حمير في ملكها، ورأيت ملوك غسّان في ملكها، فما رأيت أحدا قطَّ كان أشدّ عزّا منه. وكان ظهر الكوفة ينبت الشقائق، فحمى ذلك المكان، فنسب إليه فقيل «شقائق النّعمان».
  / فجلس ذات يوم هناك وجلسنا بين يديه كأنّ على رؤوسنا الطَّير، وكأنه باز. فقام رجل من الناس فقال له:
  أبيت اللعن! أعطني فإنّي محتاج. فتأمّله طويلا ثم أمر به فأدنى حتّى قعد بين يديه، ثم دعا بكنانة فاستخرج منها مشاقص(١) فجعل يجأبها في وجهه(٢) حتى سمعنا قرع العظام، وخضبت لحيته وصدره بالدم، ثم أمر به فنحّي.
  ومكثنا مليّا.
  ثم نهض آخر فقال له: أبيت اللَّعن! أعطني. فتأمّله ساعة ثم قال: أعطوه ألف درهم، فأخذها وانطلق.
  ثم التفت عن يمينه / ويساره وخلفه، فقال: ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الأكمة، أترون دمه سائلا حتى يجري في هذا الوادي؟ فقلنا له: أنت - أبيت اللعن - أعلى برأيك عينا. فدعا برجل على هذه الصّفة فأمر به فذبح.
  ثم قال: ألا تسألوني عما صنعت؟ فقلنا: ومن يسألك - أبيت اللعن - عن أمرك وما تصنع؟ فقال:
  أما الأوّل فإني خرجت مع أبي نتصيّد، فمررت به وهو بفناء بابه وبين يديه عسّ من شراب أو لبن، فتناولته لأشرب منه، فثار إليّ فهراق الإناء فملا وجهي وصدري، فأعطيت اللَّه عهدا لئن أمكنني منه لأخضبنّ لحيته وصدره من دم وجهه.
  وأما الآخر فكانت له عندي يد كافأته بها، ولم أكن أثبته، فتأمّلته حتى عرفته(٣).
  وأما الذي ذبحته فإنّ عينا لي بالشام كتب إليّ: إنّ جبلة بن الأيهم قد بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليغتالك. فطلبته أياما فلم أقدر عليه، حتى كان اليوم.
(١) المشقص، كمنبر: نصل عريض أو سهم فيه ذلك.
(٢) الوجء: الضرب.
(٣) أثبته: عرفه حق المعرفة. والكلام من «ولم أكن» إلى هنا ساقط من ف.