كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر

صفحة 413 - الجزء 12

  أجحاف إن نهبط عليك فتلتقي ... عليك بحور طاميات الزواخر

  تكن مثل أبداء⁣(⁣١) الحباب الذي جرى ... به البحر تزهاه⁣(⁣٢) رياح الصراصر

  / فوثب الجحاف يجرّ مطرفه وما يعلم من الغضب، فقال عبد الملك الأخطل: ما أحسبك إلا وقد كسبت قومك شرا. فافتعل الحجاف عهدا من عبد الملك على صدقات بكر وتغلب، وصحبه من قومه نحو من ألف فارس، فثار بهم حتى بلغ الرّصافة - قال: وبينها وبين شط الفرات ليلة، وهي في قبلة الفرات - ثم كشف لهم أمره، وأنشدهم شعر الأخطل، وقال لهم: إنما هي النار أو العار، فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع، قالوا: ما بأنفسنا عن نفسك رغبة، فأخبرهم بما يريد، فقالوا: نحن معك فيما كنت فيه من خير وشرّ، فارتحلوا فطرقوا صهين⁣(⁣٣) بعد رؤبة⁣(⁣٤) من الليل - وهي في قبلة الرصافة وبينهما ميل - ثم صبّحوا عاجنة الرّحوب في قبلة صهين والبشر - وهو واد لبني تغلب - فأغاروا على بني تغلب ليلا فقتلوهم، وبقروا من النساء من كانت حاملا، ومن كانت غير حامل قتلوها. فقال عمر بن شبّة في خبره: سمعت أبي يقول: صعد الجحاف الجبل - فهو يوم البشر، ويقال له أيضا يوم عاجنة الرّحوب، يوم مخاشن، وهو جبل إلى جنب البشر، وهو مرج السّلوطح لأنه بالرحوب - وقتل في تلك الليلة ابنا للأخطل يقال له أبو غياث، ففي ذلك يقول جرير له:

  شربت الخمر بعد أبي غياث ... فلا نعمت لك السّوءات⁣(⁣٥) بالا

  قال عمر بن شبّة في خبره خاصّة:

  ووقع الأخطل في أيديهم، وعليه عباءة دنسة، فسألوه / فذكر أنّه عبد من عبيدهم، فأطلقوه، فقال ابن صفّار في ذلك:

  لم تنج إلا بالتعبّد نفسه ... لمّا تيقن أنهم قوم عدا

  وتشابهت برق⁣(⁣٦) العباء عليهم ... فنجا ولو عرفوا عباءته هوى

  / وجعل ينادي: من كانت حاملا فإليّ، فصعدن إليه، فجعل يبقر بطونهنّ. ثم إن الجحاف هرب بعد فعله، وفرّق عنه أصحابه ولحق بالروم، فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبيّ دون الدّرب، فكرّ عليه الجحاف فهزمه، وهزم أصحابه وقتلهم، ومكث زمنا في الروم، وقال في ذلك:

  فإن تطردوني تطردوني وقد مضى ... من الورد يوم في دماء الأراقم⁣(⁣٧)


(١) كذا في الأصول، وفي «الديوان»: «أقذاء الحباب».

(٢) زهت الريح الشجر تزهاه: هزته وحركته. وفي ف: «ترفيه».

(٣) هكذا ضبط في ط.

(٤) رؤبة: قطعة، وأصلها القطعة تسد بها ثملة الإناء.

(٥) كذا في ط؛ وفي ج؛ ب، س: «النشوات».

(٦) الأبرق: كل شيء اجتمع فيه سواد وبياض، وهي برقاء والجمع برق.

(٧) الأراقم: حيّ من تغلب وهم جشم، أو هم بنو بكر وجشم ومالك والحارث ومعاوية، سموا كذلك تشبيها لعيونهم بعيون الأراقم من الحيات.