كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر

صفحة 414 - الجزء 12

  لدن ذرّ قرن الشمس حتى تلبّست ... ظلاما بركض المقربات الصلادم⁣(⁣١)

  رجع بعد عفو عبد الملك عنه وتمثل بشعر الأخطل

  حتّى سكن غضب عبد الملك، وكلَّمته القيسية في أن يؤمنه، فلان وتلكأ، فقيل له: إنا واللَّه لا نأمنه على المسلمين إن طال مقامه بالروم؛ فأمّنه، فأقبل فلما قدم على عبد الملك لقيه الأخطل فقال له الجحاف:

  أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني ... على القتل⁣(⁣٢) أم هل لامني لك لائمي

  أبا مالك إني أطعتك في الَّتي ... حضضت عليها فعل حرّان حازم

  فإن تدعني أخرى أجبك بمثلها ... وإني لطبّ⁣(⁣٣) بالوغى جدّ عالم

  قال ابن حبيب:

  فزعموا أن الأخطل قال له: أراك واللَّه شيخ سوء. وقال فيه جرير:

  فإنّك والجحاف يوم تحضّه ... أردت بذاك المكث والورد أعجل

  بكى دوبل لا يرقئ اللَّه دمعة ... ألا إنما يبكي من الذّلّ دوبل⁣(⁣٤)

  وما زالت القتلى تمور دماؤهم ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل⁣(⁣٥)

  / فقال الأخطل: ما لجرير لعنه اللَّه! واللَّه ما سمّتني أمي دوبلا إلَّا وأنا صبيّ صغير ثم ذهب ذلك عني لما كبرت. وقال الأخطل:

  لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة ... إلى اللَّه منها المشتكى والمعوّل

  فسائل بني مروان ما بال ذمّة ... وحبل ضعيف لا يزال يوصّل

  فإلَّا تغيّرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستراد ومزحل⁣(⁣٦)

  حمله الوليد دية قتلى البشر فاستطاع أن يأخذها من الحجاج

  فقال عبد الملك حين أنشده هذا: فإلى أين يا بن النّصرانية؟ قال: إلى النار قال: أولى لك لو قلت غيرها! قال: ورأى عبد الملك أنه إن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر، فأمر الوليد بن عبد الملك، فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب، وضمّن الجحّاف قتلى البشر، وألزمه إياها عقوبة له، فأدّى الوليد الحمالات، ولم يكن عند الجحاف ما حمّل، فلحق بالحجّاج بالعراق يسأله ما حمّل لأنه من هوازن، فسأل الإذن على الحجاج، فمنعه. فلقي أسماء بن خارجة؛ فعصب حاجته به فقال: إني لا أقدر لك على منفعة، قد علم الأمير بمكانك وأبى


(١) المقربات من الخيل: التي ضمرت للركوب فهي قريبة معدّة. والصلادم: جمع صلدم، كزبرج وهو الفرس الصلب الشديد.

(٢) في «معجم البلدان» «على الثأر».

(٣) الطب: الخبير الحاذق.

(٤) الدوبل: الخنزير أو ولده، ورقأ الدمع: جف وسكن.

(٥) مار الدم: جرى، والأشكل: ما فيه بياض يضرب إلى الحمرة والكدرة.

(٦) في «معجم البلدان»:

... بعدلها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل «

بملكها، أي بقدرتها، والمستراد في الأصل: المرعى، من استرادت الدابة: رعت، ومزحل: مبعد، من زحل عن مكانه زال وتنحى.