أخبار أبي وجزة ونسبه
  خرج أبو وجزة السعديّ وأبو زيد الأسلميّ يريدان المدينة، وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير، وامتدح أبو زيد إبراهيم بن هشام المخزوميّ، فقال له أبو وجزة: هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من آل الزبير، وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم؟ فقال: كلا واللَّه، لرجائي في الأمير أعظم من رجائك في آل زبير. فقدما المدينة، فأتى أبو زيد دار إبراهيم، فدخلها وأنشد الشعر وصاح وجلب، فقال إبراهيم لبعض أصحابه: أخرج إلى هذا الأعرابي الجلف فاضربه وأخرجه، فأخرج وضرب. وأتى أبو وجزة أصحابه فمدحهم وأنشدهم، فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع(١) أن يعطي منه ستين وسقا(٢) من التمر، فقال أبو وجزة يمدحهم:
  راحت قلوصي رواحا وهي حامدة ... آل الزبير ولم تعدل بهم أحدا
  راحت بستّين وسقا في حقيبتها ... ما حمّلت حملها الأدنى ولا السّددا(٣)
  ذاك القرى لا كأقوام عهدتهم ... يقرون ضيفهم الملويّة الجددا
  يعني السياط.
  / قال أبو الفرج الأصفهاني: قول أبي وجزة:
  راحت بستّين وسقا في حقيبتها
  أنها حملت ستّين وسقا ولا تحمل ناقة ذلك ولا تطيقه ولا نصفه، وإنما عنى أنه انصرف عنهم وقد كتبوا له بستين وسقا فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها، فكأنّها(٤) حاملة بالكتاب ستّين وسقا، لا أنها أطاقت حمل ذلك. وهذا البيت معنى يسأل عنه.
  وقال يعقوب بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الأخفش لنا عن السكري في شعر أبي وجزة وأخباره:
  أحسن عمرو بن زيادة جواره فمدحه
  كان أبو وجزة / قد جاور مزينة، وانتجع بلادهم لصهره فيهم، فنزل على عمرو بن زياد بن سهيل بن مكدّم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرّة بن مازن بن عوف بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان، فأحسن عمرو جواره وأكرم مثواه، فقال أبو وجزة يمدحه:
  لمن دمنة بالنّعف عاف صعيدها ... تغيّر باقيها ومحّ جديدها(٥)
  لسعدة من عام الهزيمة إذ بنا ... تصاف وإذ لمّا يرعنا صدودها
  وإذ هي أمّا نفسها فأربيه(٦) ... للهو، وأما عن صبا فتذودها
(١) الفرع: قرية من نواحي الربذة بينها وبين المدينة أربع ليال على طريق مكة. وفي ف: «العرج»، وهي قرية من عمل الفرع.
(٢) الوسق: حمل بعير.
(٣) السدد: الوفق.
(٤) كذا في ف، وفي سائر الأصول: «فكانت».
(٥) النعف: موضع، وأصله: ما انحدر من حزونة الجبل وارتفع عن منحدر الوادي. عاف: دارس ممحو. محّ: بلى.
(٦) كذا في جميع الأصول ما عدا ج ففيها «فأبية».