أخبار الأسود ونسبه
  ما ذا أؤمّل بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد(١) /
  / أهل الخورنق والسّدير وبارق ... والقصر ذي الشّرفات من سنداد(٢)
  نزلوا بأنقرة يفيض عليهم ... ماء الفرات يفيض من أطواد(٣)
  جرت الرّياح على محلّ ديارهم ... فكأنّما كانوا على ميعاد
  ثم أقبل على الدارميّ فقال له: أتروي هذا الشعر؟ قال: لا. قال: أفتعرف من يقوله؟ قال: لا. قال: رجل من قومك له هذه النباهة وقد قال مثل هذه الحكمة لا ترويها ولا تعرفه! يا مزاحم، أثبت شهادته عندك، فإني متوقّف عن قبوله حتى أسأل عنه، فإني أظنّه ضعيفا.
  أخبرني عميّ قال حدّثنا الكرانيّ عن الرياشيّ عن أبي عبيدة بمثله.
  وعد الرّشيد بعشرة آلاف لمن يروي قصيدة «نام الخليّ ...»
  أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني الحكم بن موسى السّلوليّ قال حدّثني أبي قال:
  بينا نحن بالرافقة(٤) على باب الرّشيد وقوف، وما أفقد أحدا من وجوه العرب من أهل الشام والجزيرة والعراق، إذ خرج وصيف كأنه درّة فقال: يا معشر الصحابة، / إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم:
  من كان منكم يروي قصيدة الأسود بن يعفر:
  نام الخليّ وما أحسّ رقادي ... والهمّ مختصر(٥) لديّ وسادي
  فليدخل فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلاف درهم. فنظر بعضنا إلى بعض، ولم يكن فينا أحد يرويها. قال:
  فكأنما سقطت واللَّه البدرة عن قربوسي(٦). قال الحكم: فأمرني أبي فرويت شعر الأسود بن يعفر من أجل هذا الحديث.
(١) آل محرّق هنا: هم ملوك الحيرة من لخم. ومحرّق الَّذي أضيفوا إليه هو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي أحد ملوكهم، ويقال له:
المحرق الأكبر. ولقب به أيضا من اللخميين عمرو بن هند من ملوكهم، ويقال له: المحرّق الثاني. ومحرق أيضا: لقب الحارث بن عمرو أبي شمر ملك الشام من آل جفنة؛ لأنه أوّل من حرّق العرب في ديارهم. ويقال لآل جفنة أيضا: آل محرق.
(ملخص عن «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادة حرق، و «المعارف» لابن قتيبة ص ٣١٧). وإياد: حي من معد بن عدنان، وهم بنو إياد بن نزار، منهم قس بن ساعدة الَّذي يضرب به المثل في الجود والفصاحة. وكانت ديارهم مع العدنانية، وحين تكاثر بنو إسماعيل وتفردت مضر بالرياسة خرج بنو إياد إلى العراق، وكان لهم مع الأكاسرة أيام مشهودة إلى أن أغار عليهم سابور ذو الأكتاف من ملوك الأكاسرة فأبادهم وأفناهم. راجع كتاب («نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي ص ٨٢ طبع مطبعة الرياض ببغداد).
(٢) الخورنق كسفرجل: قصر من قصور الحيرة، والخورنق هو بالفارسية خورنكاه وهو بيت الضيافة، بناه شخص رومي اسمه سنمار للنعمان بن امرئ القيس اللخمي، وكمله في عشرين سنة، فلما وقف عليه النعمان استجاده وأثنى على سنمار فقال له سنمار: لو شئت أن أجعله يدور مع الشمس لفعلت، فأمر به أن يطرح من أعلى شرفاته، فضرب به المثل فقيل: «جزاه جزاء سنمار». (عن «مسالك الأبصار» ج ١ ص ٢٣٠ طبع دار الكتب). والسدير: قصر كان ما بين نهر الحيرة إلى النجف إلى كسكر من هذا الجانب.
وبارق: ماء بالعراق، أو هو نهر كما في معجم البلدان بين القادسية والبصرة، وهو من أعمال الكوفة. وسنداد: منزل لإياد، وهو أسفل سواد الكوفة. وقال ابن الكلبي في القصر ذي الشرفات: إن العرب كانت تحج إليه.
(٣) أنقرة: مدينة بالأناضول على طريق القسطنطينية وهي عاصمة الدولة التركية اليوم، لها ذكر في رحلة امرئ القيس إلى الروم، وافتتحها المعتصم في طريقه إلى عمورية سنة ٢٢٣، وكانت إياد قد نزلتها لما نفاها كسرى عن بلاده.
(٤) الرافقة: بلد متصل البناء بالزقة على ضفة الفرات، ثم خربت الرقة وغلب اسمها على الرافقة، وصار اسم المدينة الرقة، وهي من أعمال الجزيرة، وهي مدينة كبيرة كثيرة الخيرات (عن «معجم البلدان»).
(٥) المحتضر: الحاضر.
(٦) القربوس: حنو السرج وهو الجزء المعوج في السرج.