أخبار أرطأة ونسبه
  ضربت عمودى بانة(١) سموا معا ... فخرّت ولم أتبع قلوصي بدعدع
  ولو أنها حادت(٢) عن الرمس نلتها ... ببادرة من سيف أشهب(٣) موقع
  تركتك إن تحيي تكوسي(٤) وإن تنؤ ... على الجهد تخذلها توال فتصرع
  فدع ذكر من قد حالت الأرض دونه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
  أرطأة يناجي قبر ولده في العشي حولا كاملا
  وقد أخبرني بهذا الخبر محمّد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، فذكر أن أرطاة كان يجيء إلى قبر ابنه عشيّا فيقول: هل أنت رائح معي يا ابن سلمى؟ ثم ينصرف فيغدو عليه ويقول له مثل ذلك حولا، ثم تمثّل قول لبيد:
  إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
  / أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا المدائني قال: قال أرطاة بن سهيّة يوما للربيع بن قعنب كالعابث به:
  لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا ... فما دريت أأنثى أنت أم ذكر
  فقال له الربيع:
  لكن سهيّة تدري إذ أتيتكم ... على عريجاء لما احتلَّت الأزر(٥)
  فغلبه الربيع، ولجّ الهجاء بينهما، فقال الربيع بن قعنب يهجو أرطاة:
  وما عاشت بنو عقفان إلا ... بأحلام كأحلام الجواري
  وما عقفان من غطفان إلا ... تلمّس مظلم بالليل ساري
  إذا نحرت بنو غيظ جزورا ... دعوهم بالمراجل والشّفار
  طهاة اللحم حتى ينضجوه ... وطاهي اللحم في شغل وعار
  فقال أرطاة يجيبه ويعيّره بأن أمّة من عبد القيس:
  وهذا الفسو(٦) قد شاركت فيه ... فمن شاركت في أير الحمار(٧)
  وأيّ الناس أخبث من(٨) هبلّ ... فزارىّ وأخبث ريح دار
(١) البانة: واحدة شجر البان، وهو شجر يسمو ويطول في استواء. وسموا معا وارتفعا. وفي النسخ «شمرا» ولا وجه له. شبه بها راحلته الَّتي عفرها على قبر ابنه. ودعدع: كلمة يدعى بها للعاثر في معنى قم وانتعش واسلم.
(٢) في ط: «جارت».
(٣) الأشهب: النصل الَّذي برد بردا خفيفا فلم يذهب سواده كله. والموقع هنا: الوقيع. والوقيع من السيوف ما شحذ بالحجر.
(٤) تكوسى: تمشى على ثلاث قوائم.
(٥) عريجاء: موضع. احتلت، كذا وردت. والمعروف «انحلت».
(٦) الفسو عرف به حي من عبد القيس يقال لهم الفساة. حكى أنه جاء رجل منهم يقال له زيد بن سلامة ببردى حبرة إلى سوق عكاظ فقال: من يشتري منا هذا الفسو بهذين البردين، فقام رجل من مهو، يقال له: عبد اللَّه بن بيذرة فارتدى بأحدهما وائتزر بالآخر فسمى مشترى الفسو ببردى حبرة فضرب به المثل فقيل «أخيب صفقة من شيخ مهو». انظر اللسان والقاموس وشرحه (مادة فسا).
(٧) نبزه بذلك لما كانت تعير به فزارة من أكل أير الحمار. قال سالم بن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
لا تأمننه ولا تأمن من بواثقه ... من بعد ما امتل أير العير في النار
(٨) الهبل: الثقيل المسن الكبير من الناس والإبل.