كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العجير السلولي ونسبه

صفحة 50 - الجزء 13

  تحبب العجير إلى امرأة من عامر فانتهبوا ماله، فشكاهم إلى محمّد بن مروان

  وقال ابن الأعرابيّ: كان العجير يتحدث إلى امرأة من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها. ثم انتجع أهلها نواحي نصيبين، فتتّبعتها نفسه، فسار إليهم فنزل فيهم مجاورا⁣(⁣١)، ثم رأوه منازلا ملازما محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا: قد رأينا أمرك فإمّا أن انقطعت عنها أو ارتحلت عنّا، أو فأذن بحرب⁣(⁣٢). فقال: ما بيني وبينها ما ينكر، وإنما كنت أتحدث إليها كما يتحدّث الرجل الكريم إلى المرأة الحرّة الكريمة، فأمّا الريبة فحاش للَّه منها. ثم عاود محادثتها؛ فانتهبوا ماله وطردوه. فأتى محمّد بن مروان بن الحكم وهو يومئذ يتولَّى الجزيرة لأخيه عبد الملك بن مروان، فأتاه مستعديا على بني عامر وعلى الَّذي أخذ ماله خصوصيّة⁣(⁣٣)، وهو رجل من بني كلاب يقال له ابن الحسام، وأنشده قوله:

  عفا يافع من أهله فطلوب ... وأقفر لو كان الفؤاد يثوب⁣(⁣٤)

  وقفت بها من بعد ما حلّ أهلها ... نصيبين والرّاقي الدموع طبيب

  وقد لاح معروف القتير وقد بدت ... بك اليوم من ريب الزمان ندوب⁣(⁣٥)

  وسالمت روحات المطيّ وأحمدت ... مناسم منها تشتكي وصلوب⁣(⁣٦)

  / وما القلب أم ما ذكره أمّ صبية ... أريكة منها مسكن فهروب⁣(⁣٧)

  حصان الحميّا حرة حال دونها ... حليل لها شاكي السلاح غضوب⁣(⁣٨)

  شموس، دنّو الفرقدين اقترابها، ... لغيّ مقاريف الرجال سبوب⁣(⁣٩)

  أحقّا عباد اللَّه أن لست ناظرا ... إلى وجهها إلا عليّ رقيب

  عدتني العدا عنها بعيد تساعف ... وما أرتجي منها إليّ قريب⁣(⁣١٠)

  لقد أحسنت جمل لو أنّ تبيعها ... إذا ما أرادت أن تثيب يثيب⁣(⁣١١)

  تصدّين حتّى يذهب اليأس بالمنى ... وحتّى تكاد النفس عنك تطيب


(١) المجاور: الجار ولو من بعد. والمنازل: الَّذي ينزل بجانب بيتك. والملازم: الَّذي لا ينقطع عن البقاء في المنزل الَّذي يجاور من يهواه.

(٢) يقال ائذن بهذا الأمر، أي اعلمه.

(٣) الخصوصية بفتح الخاء وضمها: اسم من خصه يخصه، أي خاصة.

(٤) يافع: مكان. وطلوب: علم لقليب عن يمين سميراء في طريق الحاج، طيب الماء قريب الرشاء. عن «معجم البلدان لياقوت». وقال أبو عبيد البكري: إنه من مياه بني عوف بن عقيل.

(٥) معروف القتير: هو الشيب الَّذي لا يمكن نكرانه. ولاح: ظهر. والندوب آثار الجروح على الجلد.

(٦) المراد من سالمت روحات المطي: أنها سلمت من عنائها في الغدو والرواح. وأحمدت: حمدت وأثنت. والمناسم: جمع منسم بفتح الميم وكسر السين: خف البعير. والصلوب بضم الصاد كما ورد في الأصول لم يعثر عليه في المعاجم، وهو جمع قياسي للصلب، والصلب يبدأ من الكاهل إلى أصل الذنب أي المؤخر.

(٧) ما: اسم استفهام. وأم: حرف عطف. وأريكة: اسم جبل بالبادية. وقال الأصمعي أريكة: ماء لبني كعب («معجم البلدان» ج ١ ص ٢١٢). وهروب: من قرى صنعاء باليمن.

(٨) الحصان: العفيفة أو المتزوّجة. والحميا: الحوزة والجانب.

(٩) الشموس: الجامحة. ومقاريف الرجال: المتهمون. والسبوب: من السب والطعن.

(١٠) التساعف: الدنو والقرب والإقبال الشديد.

(١١) التبيع: المولى والناصر. وتثيب: تعطف.