نسب المغيرة بن حبناء وأخباره
  ما عاقني عن قفول الجند إذ قفلوا ... عيّ بما صنعوا حولي ولا صمم
  ولو أردت قفولا ما تجّهمني ... إذن الأمير ولا الكتّاب إذ رقموا(١)
  إني ليعرفني راعي سريرهم ... والمحدجون إذا ما ابتلَّت الحزم(٢)
  والطالبون إلى السلطان حاجتهم ... إذا جفا عنهم السلطان أو كزموا(٣)
  فسوف تبلغك الأنباء إن سلمت ... لك الشواحج والأنفاس والأدم(٤)
  إن المهلبّ إن أشتق لرؤيته ... أو امتدحه فإن الناس قد علموا
  إن الكريم من الأقوام قد علموا ... أبو سعيد إذا ما عدّت النّعم
  والقائل الفاعل الميمون طائره ... أبو سعيد وإن أعداؤه رغموا
  / كم قد شهدت كراما من مواطنه ... ليست بغيب ولا تقوالهم زعموا(٥)
  أيّام أيام إذ عض الزمان بهم ... وإذ تمنى رجال أنهم هزموا(٦)
  / وإذ يقولون: ليت اللَّه يهلكهم ... واللَّه يعلم لو زلت بهم قدم
  أيام سابور إذ ضاعت رباعتهم ... لولاه ما أوطنوا دارا ولا انتقموا(٧)
  إذ ليس شيء من الدنيا نصول به ... إلا المغافر والأبدان واللجم(٨)
  وعاترات من الخطَّيّ محصدة ... نفضي بهن إليهم ثم ندّعم(٩)
  سبب التهاجي بين زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء
  هكذا ذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني في خبر هذه القصيدة، ونسخت من كتابه. وذكر أيضا في هذا الكتاب أن سبب التهاجي بين زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء، أن زيادا الأعجم والمغيرة بن حبناء وكعبا الأشقريّ، اجتمعوا عند المهلب وقد مدحوه، فأمر لهم بجوائز وفضّل زيادا عليهم، ووهب له غلاما فصيحا ينشد شعره، لأن زيادا كان ألكن لا يفصح، فكان راويته ينشد عنه ما يقوله، فيتكلف له مؤونة ويجعل له سهما في صلاته، فسأل المهلب يومئذ أن يهب له غلاما كان له يعرفه زياد بالفصاحة والأدب، فوهبه له، فنفسوا عليه ما فضّل به؛ فانتدب(١٠) له / المغيرة من بينهم، فقال للمهلب: أصلح اللَّه الأمير،. ما السبب في تفضيل الأمير زيادا علينا؟ فو اللَّه ما يغني غناءنا - في
(١) ما تجهمني: ما استقبلني بغير ما أحب.
(٢) المحدجون: الذين يشدون الأحداج على الإبل.
(٣) كزموا: هابوا.
(٤) الشواحج: البغال. والأدم جمع أدماء وآدم، وضم داله للشعر. والأدماء: الناقة أشرب لونها سوادا أو بياضا.
(٥) ولا تقوالهم زعموا: القول المزعوم زورا وبهتانا.
(٦) انظر ما سبق من الكلام على تكرير الظروف في ص ٦٨.
(٧) رباعتهم: أمرهم الَّذي كانوا عليه. وأوطنوا دارا: اتخذوها دار إقامة.
(٨) المغافر جمع مغفر: الزرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة، أو حلق يتقنع بها المتسلح، والأبدان جمع بدن بالتحريك: الدرع القصيرة.
(٩) العاترات: المضطربات للبنها. والخطي: الرمح المنسوب إلى الخط بلد على سيف البحرين بكسر السين، وموضع في عمان.
وكانت الرماح تجلب إلى هذه المواضع فتقوم وتصقل ثم تباع. والمحصدة: بضم الميم وفتح الصاد: المحكمة الصنعة. وندعم:
نتكئ عليها ونأخذها دعامة.
(١٠) انتدب له: مطاوع ندبه للأمر: دعاه ووجهه إليه.