كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب المغيرة بن حبناء وأخباره

صفحة 62 - الجزء 13

  الحرب، ولا هو بأفضلنا شعبا، ولا أصدقنا ودا، ولا أشرفنا أبا، ولا أفصحنا لسانا! فقال له المهلب: أما إنّي واللَّه ما جهلت شيئا مما قلت، وإن الأمر فيكم عندي لمتساو، ولكنّ زيادا يكرم لسنّه وشعره وموضعه من قومه، وكلَّكم كذلك عندي، وما فضلته بما ينفس⁣(⁣١) به، وأنا أعوّضكم بعد هذا بما يزيد على ما فضلته به. فانصرف، وبلغ زيادا ما كان منه، فقال يهجوه:

  أرى كلّ قوم ينسل اللؤم عندهم ... ولؤم بني حبناء ليس بناسل⁣(⁣٢)

  يشبّ مع المولود مثل شبابه ... ويلقاه مولودا بأيدي القوابل

  ويرضّعه من ثدي أمّ لئيمة ... ويخلق من ماء امرئ غير طائل⁣(⁣٣)

  تعالوا فعدّوا في الزمان الَّذي مضى، ... وكل أناس مجدهم بالأوائل

  لكم بفعال يعرف الناس فضله ... إذا ذكر الأملاء عند الفضائل⁣(⁣٤)

  فغازيكم في الجيش الأم من غزا ... وقافلكم في الناس ألأم قافل⁣(⁣٥)

  وما أنتم من مالك غير أنكم ... كمغرورة بالبوّ في ظل باطل⁣(⁣٦)

  بنو مالك زهر الوجوه وأنتم ... تبّين ضاحي لؤمكم في الجحافل⁣(⁣٧)

  يعني برصا كان بالمغيرة بن حبناء.

  / أخبرني عبيد اللَّه بن محمّد الرازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال: حدّثني المدائني قال:

  عيّر زياد الأعجم المغيرة بن حبناء في مجلس المهلَّب بالبرص، فقال له المغيرة إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح⁣(⁣٨)، ولا تعير بالغرر والحجول، وقد قال صاحبنا بلعاء بن قيس لرجل عيّره بالبرص: «إنما أنا سيف اللَّه جلاه واستلَّه على أعدائه» فهل تغني يا ابن العجماء غنائي، أو تقوم مقامي؟ ثم نشب الهجاء بينهما.

  نسخت من نسخة ابن الأعرابي، قال: كان المغيرة بن حبناء يوما يأكل مع المفضّل بن المهلَّب، فقال له المفضل:

  فلم أر مثل الحنظليّ ولونه ... أكيل كرام أو جليس أمير

  فرفع المغيرة يده وقام مغضبا، ثم قال له:

  إني امرؤ حنظليّ حين تنسبني ... لام⁣(⁣٩) العتيك ولا أخوالي العوق⁣(⁣١٠)

  - العوق من يشكر، وكانوا أخوال المفضل -


(١) ينفس به: يحسد عليه.

(٢) ينسل: من قولهم نسل ريش الطائر: سقط.

(٣) يقال للخسيس الدون: ما هو بطائل.

(٤) الأملاء: جمع ملأ، وهم الأشراف الذين يملئون العين.

(٥) القافل: الراجع، وسميت القافلة وهي ذاهبة قافلة تيمنا برجوعها.

(٦) كمغرورة بالبو: أي مخدوعة بالجلد الَّذي يحشى تبنا فتحن له. والمراد أن هذه القبيلة تنوهم أن نسبها إلى مالك نسب حقيقي.

(٧) أراد بالجحافل الشفاه، جمع جحفلة. وأصل الجحفلة للخيل والحمر والبغال.

(٨) الأوضاح: جمع وضح: التحجيل في القوائم بالبياض.

(٩) لام العتيك: لا من العتيك. انظر «الحيوان» (٥: ١٦٥).

(١٠) العتيك والعوق: قبيلتان.