أخبار العتابي ونسبه
  إن الصّبابة لم تدع ... منّي سوى عظم مبرّى(١)
  ومدامع عبرى على ... كبد عليك الدّهر حرّى(٢)
  - في هذين البيتين غناء - أو يقال: إنه متكلَّف؟ وهو الَّذي يقول:
  فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمّله النّاظر
  لمثّلته لك حتّى تراه ... لتعلم أنّي امرؤ شاكر
  رذاذ يضع لحنا
  الغناء في هذين البيتين لأبي العبيس، ثقيل أوّل، ولرذاذ خفيف ثقيل. فحدّثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبجيّ عن أبي الحسن عليّ بن العباس وغيره من أهله قالوا: لما صنع رذاذ لحنه في هذا الشعر:
  فلو كان للشّكر شخص يبين
  أبو العبيس يسقط لحن رذاذ
  فتن به الناس، وكان هجّيراهم زمانا(٣)، حتى صنع أبو العبيس فيه الثّقيل الأول، فأسقط لحن رذاذ وغلب عليه.
  أخبرني إبراهيم بن أيوب، عن عبد اللَّه بن مسلم، وأخبرني علي بن سليمان الأخفش، عن محمّد بن يزيد، قالوا جميعا:
  المأمون يكتب في إشخاص العتابيّ
  كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي، فلما دخل عليه قال له: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفادتك فسرّتني. فقال له العتابي: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاها فضلا وإنعاما، وقد خصصتني منهما بما لا يتّسع له أمنية، ولا يبسط لسواه أمل، لأنه لا دين إلَّا بك، ولا دنيا إلا معك. فقال له: سلني. فقال: يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسّؤال. فوصله صلات سنية، وبلغ به من التقديم والإكرام أعلى محلّ.
  وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد اللَّه بن أبي سعد الكراني، أنّ عبد اللَّه بن سعيد بن زرارة، حدّثه عن محمّد بن إبراهيم اليساري، قال:
  المأمون يداعب العتابي
  لما قدم العتّابي مدينة السلام على المأمون، أذن له، فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وكان العتّابي شيخا جليلا نبيلا، فسلَّم فردّ عليه وأدناه، وقرّبه حتّى قرب منه، فقبّل يده: ثم أمره بالجلوس فجلس، وأقبل عليه يسائله عن حاله، وهو يجيبه بلسان ذلق طلق، فاستظرف المأمون ذلك، وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظنّ الشّيخ أنّه استخفّ به، فقال: يا أمير المؤمنين: الإيناس قبل الإبساس(٤).
(١) المبرى: المهزول المنحوت.
(٢) الحرّى: المحترقة.
(٣) هجيراهم بكسر الأوّل والثاني مع تشديده: دأبهم وشأنهم.
(٤) الإبساس: أن يمسح ضرع الناقة يسكنها لتدر. والمراد الاطمئنان قبل المداعبة.