كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار منصور النمري ونسبه

صفحة 101 - الجزء 13

  /

  مضزّ على فأس اللجام كأنّه ... إذا ما اشتكت أيدي الجياد يطير⁣(⁣١)

  فظلّ على الصّفصاف يوم تباشرت ... ضباع وذؤبان به ونسور⁣(⁣٢)

  فأقسم لا ينسى لك اللَّه أجرها ... إذا قسّمت بين العباد أجور

  قال النمريّ: ثم قلت في نفسي: ما يمنعني من إذكاره بالجائزة؟ فقلت:

  إذا الغيث أكدى واقشعرّت نجومه ... فغيث أمير المؤمنين مطير⁣(⁣٣)

  وما حلّ هارون الخليفة بلدة ... فأخلفها غيث وكاد يضير⁣(⁣٤)

  فقال: أذكرتني. ورأيته متهلَّلا لذلك. قال: فألحقني بمروان وأمر لي بمائة ألف درهم.

  محمّد الراوية المعروف بالبيدق ينشد قصيدة النمري

  أخبرني عمي، قال: حدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن طهمان، قال حدّثني محمّد الراوية المعروف بالبيدق - وكان قصيرا، فلقب بالبيدق⁣(⁣٥) / لقصره، وكان ينشد هارون أشعار المحدثين - وكان أحسن خلق اللَّه إنشادا - قال: دخلت على الرشيد وعنده الفضل بن الربيع، ويزيد بن مزيد، وبين يديه خوان لطيف عليه جديان⁣(⁣٦) ورغفان سميد⁣(⁣٧) ودجاجتان، فقال لي: أنشدني، فأنشدته قصيدة النّمريّ العينية، فلما بلغت إلى قوله:

  أيّ امرئ بات من هارون في سخط ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع

  إن المكارم والمعروف أودية ... أحلَّك اللَّه منها حيث تتسع

  إذا رفعت أمرأ فاللَّه يرفعه ... ومن وضعت من الأقوام متضع

  نفسي فداؤك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا بينها قرع⁣(⁣٨)

  قال: فرمى بالخوان بين يديه وصاح، وقال: هذا واللَّه أطيب من كل طعام وكل شيء، وبعث إليه بسبعة آلاف دينار، فلم يعطني منها ما يرضيني، وشخص إلى رأس العين، فأغضبني وأحفظني، فأنشدت هارون قوله:

  شاء من الناس راتع هامل ... يعللون النفوس بالباطل⁣(⁣٩)

  فلما بلغت إلى قوله:

  إلَّا مساعير يغضبون لها ... بسلَّة البيض والقنا الذابل⁣(⁣١٠)


(١) مضز على فأس اللجام: يقال أضز الفرس على اللجام إذا أزم عليه. وفأس اللجام: الحديدة القائمة في الحنك.

(٢) «فظل» في كل الأصول بالطاء المهملة، وهو تحريف. والصفصاف: مدينة غزاها سيف الدولة بن حمدان.

(٣) أكدى الغيث: منع لم يسقط مطره.

(٤) أخلف الغيث: لم يمطر. وكاد يضير: كاد يتلف لغزارته.

(٥) البيدق: الصغير الخفيف. واختلفت النسخ فكتب بعضها بالذال المعجمة وبعضها بالمهملة.

(٦) في الأصل: «جرمان».

(٧) السميد: لباب الدقيق، وهو بالذال المعجمة أفصح.

(٨) المعلمة بكسر اللام الَّتي أعلمت أنفسها في الحرب بعلامة. وبالفتح أيضا، أي أعلمت بذلك. بينها، أي بين الأبطال. وفي الأصل:

«المنايا صابها فزع». وفي «تاريخ بغداد» ١٣: ٦٨: «المنايا بينهم فزع». وصواب ما في الأصل ما أثبتنا.

(٩) في الأصول: «ساد» صوابه من «تاريخ بغداد» و «الشعر والشعراء» ٨٣٦ بتحقيق الشيخ أحمد شاكر. والراتع: الَّذي يأكل ما شاء في رغد. والهامل: المتروك سدى ولا يعمل.

(١٠) المساعير: الذين يوقدون نار الحرب، جمع مسعار. سلة البيض: استلال السيوف. والذابل: الدقيق اللاصق الليط، أي القشر.