كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار منصور النمري ونسبه

صفحة 102 - الجزء 13

  الرشيد يبعث بمن يقتل النمريّ في يوم وفاته

  قال: أراه يحرّض عليّ، أبعثوا إليه من يجيء برأسه. فكلَّمه فيه الفضل بن الربيع / فلم يغن كلامه شيئا، وتوجّه إليه الرسول فوافاه في اليوم الَّذي مات فيه ودفن. قال: وكان إنشاد محمّد البيدق يطرب كما يطرب الغناء.

  سبب غضب الرشيد على النمري

  أخبرني عميّ، قال: حدّثنا ابن أبي سعد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين الشيباني، قال: أخبرني منصور بن جهور، قال: سألت العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه، فقال لي: استقبلت منصورا النمري يوما من الأيام فرأيته مغموما واجما كئيبا، فقلت له: ما خبرك؟ فقال: تركت امرأتي تطلق⁣(⁣١)، وقد عسر عليها ولادها، وهي يدي ورجلي، والقيّمة بأمري وأمر منزلي. فقلت له: لم لا تكتب على فرجها «هارون الرشيد»؟ قال: ليكون ماذا؟ قال:

  لتلد على المكان، قال: وكيف ذلك؟ قلت: لقولك:

  إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع⁣(⁣٢)

  / فقال لي: يا كشخان⁣(⁣٣)، واللَّه لئن تخلصت امرأتي لأذكرنّ قولك هذا للرشيد. فلما ولدت امرأته خبّر الرشيد بما كان بيني وبينه، فغضب الرشيد لذلك وأمر بطلبي، فاستترت عند الفضل بن الربيع، فلم يزل يسأل فيّ حتى أذن لي في الظهور؛ فلما دخلت عليه، قال لي: قد بلغني ما قلته للنمريّ، فاعتذرت إليه حتى قبل، ثم قلت: واللَّه يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذّب عليّ إلَّا وقوفي على ميله إلى العلويّة، فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت. فقال: أنشدني. فأنشدته قوله:

  شاء من الناس راتع هامل ... يعلَّلون النفوس بالباطل⁣(⁣٤)

  / حتى بلغت إلى قوله:

  إلا مساعير يغضبون لها ... بسلَّة البيض والقنا الذّابل

  غضب الرشيد وطلبه نبش جثة النمري

  فغضب من ذلك غضبا شديدا، وقال للفضل بن الربيع: أحضره الساعة. فبعث الفضل في ذلك، فوجده قد توفّي، فأمر بنبشه ليحرقه، فلم يزل الفضل يلطف له حتى كفّ عنه.

  الفضل بن الربيع يحمى النمري

  أخبرني عمي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثنا يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، قال: حدّثني بعض الزينبيّين، قال: حبس الرشيد منصورا النمريّ بسبب الرفض⁣(⁣٥)، فتخلَّصه الفضل بن الربيع، ثم بلغه شعره في آل عليّ #، فقال للفضل: اطلبه. فستره الفضل عنده، وجعل الرشيد يلحّ في طلبه، حتّى قال يوما للفضل:


(١) تطلق بالبناء للمجهول: تعاني وجع الولادة.

(٢) مخايله: جمع مخيلة بالفتح، وهي السحابة.

(٣) الكشخان بالفتح والكسر: الديوث.

(٤) بعده في «الشعر والشعراء»:

تقتل ذرية النبيّ وير ... جون جنان الخلد للقاتل

(٥) الرفض: ضرب من التشيع لآل علي. ذكر في «القاموس» أن الروافض كل جند تركوا قائدهم. والرافضة: الفرقة منهم وفرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين. فأبى وقال: كانا وزيري جدّي. فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه، والنسبة رافضي.