كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار منصور النمري ونسبه

صفحة 103 - الجزء 13

  ويحك يا فضل تفوّتني النمريّ؟ قال: يا سيدي، هو عندي قد حصّلته. قال: فجئني. وكان الفضل قد أمره أن يطوّل شعره، ويكثر مباشرة الشمس ليشحب وتسوء حالته، ففعل، فلما أراد إدخاله عليه ألبسه فروة مقلوبة، وأدخله عليه، وقد عفا⁣(⁣١) شعره، وساءت حالته، فلما رآه، قال: السيف! فقال الفضل: يا سيدي من هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك؟ قال: أليس هو القائل:

  إلا مساعير يغضبون لها ... بسلَّة البيض والقنا الذابل

  / فقال منصور: لا يا سيدي ما أنا قائل هذا، ولقد كذب عليّ، ولكني القائل:

  يا منزل الحي ذا المغاني ... أنعم صباحا على بلاكا⁣(⁣٢)

  هارون يا خير من يرجّى ... لم يطع اللَّه من عصاكا

  في خير دين وخير دنيا ... من اتّقى اللَّه واتقاكا

  فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله، فقال منصور يمدح الفضل بن الربيع:

  رأيت الملك مذ آزر ... ت قد قامت محانيه⁣(⁣٣)

  هو الأوحد في الفضل ... فما يعرف ثانيه

  عفة النمري

  أخبرني عمي، قال: حدّثنا ابن أبي سعد، قال: حدّثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفيّ عن محمّد بن أرتبيل، قال:

  اجتمع عند المأمون قبل خلافته، وذلك في أيام الرشيد، منصور / النمري والخزيميّ والعباس بن زفر، وعنده جعفر بن يحيى، فحضر الغداء، فأتي المأمون بلون من الطعام، فأكل منه فاستطابه، فأمر به فوضع بين يدي جعفر بن يحيى، فأصاب منه، ثم أمر به فوضع بين يدي العباس فأكل منه، ثم نحّاه، فأكل منه بعده الخزيمي وغيره - ولم يأكل منه النّمري - وذلك بعين المأمون، فقال له: لم لم تأكل؟ فقال: لئن أكلت ما أبقى هؤلاء إني لنهم.

  قال: فهل قلت في هذا شيئا؟ قال: نعم، قلت:

  لهفي أتطعمها قينسا وآكلها ... إني إذا لدنيء النفس والخطر⁣(⁣٤)

  ما كان جدي ولا كان الهمام أبي ... ليأكلا سؤر عباس ولا زفر

  / شتان من سؤر عباس وفضلته ... وسؤر كلب مغطَّى العين بالوبر⁣(⁣٥)

  ما زال يلقم والطَّباخ يلحظه ... وقد رأى لقما في الحلق كالعجر⁣(⁣٦)


(١) عفا شعره: طال وكثر.

(٢) البلى: القدم.

(٣) آزرت: عاونت وصرت وزيرا. محانيه: معاطفه. وفي الأصول:

رأيت الملك وهذا زر ... ت قد قامت أحانيه

(٤) الخطر: القدر والمنزلة.

(٥) السؤر: البقية والفضلة.

(٦) العجر جمع عجرة: وهي العقدة.