كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره

صفحة 115 - الجزء 13

  انتصار معاوية لعبد اللَّه بن الحجاج

  / قال: فكتب ناس من اليمانية من أهل الكوفة إلى معاوية: إن سيّدنا ضربه خسيس من غطفان، فإن رأيت أن تقيدنا⁣(⁣١) من أسماء بن خارجة. فلما قرأ معاوية الكتاب قال: ما رأيت كاليوم كتاب قوم أحمق من هؤلاء. وحبس عبد اللَّه بن الحجاج، وكتب إليهم: «إنّ القود ممن لم يجن محظور، والجاني محبوس، حبسته فليقتصّ منه المجنيّ عليه». فقال كثير بن شهاب: لا أستقيدها إلَّا من سيد مضر. فبلغ قوله معاوية فغضب وقال: أنا سيّد مضر فليستقدها مني، وأمّن عبد اللَّه بن الحجاج، وأطلقه، وأبطل ما فعله بابن شهاب، فلم يقتصّ ولا أخذ له عقلا.

  عفو كثير عن عبد اللَّه بن الحجاج

  قال أبو زيد: وقال خلَّاد الأرقط في حديثه.

  إن عبد اللَّه بن الحجاج لمّا ضربه بالعمود، قال له: أنا عبد اللَّه بن الحجاج صاحبك بالريّ، وقد قابلتك بما فعلت بي، ولم أكن لأكتمك نفسي، وأقسم باللَّه لئن طالبت فيها بقود لأقتلنّك. فقال له: أنا أقتصّ من مثلك، واللَّه لا أرضى بالقصاص إلا من أسماء بن خارجة! وتكلمت اليمانية وتحارب الناس بالكوفة، فكتب معاوية إلى المغيرة:

  أن أحضر كثيرا وعبد اللَّه بن الحجاج فلا يبرحان من مجلسك حتى يقتصّ كثير أو يعفو. فأحضرهما المغيرة، فقال:

  قد عفوت؟ وذلك / لخوفه من عبد اللَّه بن الحجاج أن يغتاله. قال: وقال لي: يا أبا الأقيرع، واللَّه لا نلتقي أنت ونحن جميعا أهتمان، وقد عفوت عنك.

  الحراث ينبش قبر جندب بن عبد اللَّه بن الحجاج

  ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي، قال:

  كان لعبد اللَّه بن الحجاج ابنان يقال لأحدهما: عوين، والثاني جندب، فمات جندب وعبد اللَّه حيّ فدفنه بظهر الكوفة، فمرّ أخوه عوين بحرّاث إلى جانب قبر جندب، فنهاه أن يقربه بفدّانه، وحذّره ذلك، فلما كان الغد وجده قد حرث جانبه، وقد نبشه وأضرّبه، فشد عليه فضربه بالسيف وعقر فدانه⁣(⁣٢). وقال:

  أقول لحرّاثي حريمي جنّبا ... فدانيكما لا تحرثا قبر جندب⁣(⁣٣)

  فإنكما إن تحرثاه تشرّدا ... ويذهب فدان منكما كلّ مذهب⁣(⁣٤)

  عبد اللَّه بن الحجاج يستوهب جرم ابنه من عبد الملك

  قال: فأخذ عوين، فاعتقله السجّان، فضربه حتّى شغله بنفسه، ثم هرب، فوفد أبوه إلى عبد الملك فاستوهب جرمه فوهبه، وأمر بألَّا يتعقّب، فقال عبد اللَّه بن الحجاج، يذكر ما كان من ابنه عوين:

  لمثلك يا عوين فدتك نفسي ... نجا من كربة إن كان ناجي

  عرفتك من مصاص السّنخ لما ... تركت ابن العكامس في العجاج⁣(⁣٥)


(١) تقيدنا: أقاد القاتل بالقتيل: قتله، ومعناه هنا القصاص.

(٢) الفدان: الثور أو الثوران يقرن بينهما للحرث، أو هو آلة الثورين، يقال بتشديد الدال وبتخفيفها.

(٣) فدانيكما بالتثنية، وروى: «فديتكما» («مهذب الأغاني» ج ٤ ص ١١٧) ٧ ش، ب.

(٤) كذا في ج و «مهذب الأغاني»، وفي سائر النسخ: «ويذهب كل».

(٥) مصاص السنخ، يقال فلان مصاص قومه، إذا كان أخلصهم نسبا. ويقال للمفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد. والسنخ: الأصل، وورد في س، ب بالحاء المهملة، تحريف.