أخبار ناهض بن ثومة ونسبه
  تشبه بالضراط ولكنّه أتى منها لمّا حرك أصابعه بصوت عجيب متلائم متشاكل بعضه لبعض، كأنه، علم اللَّه، ينطق.
  ثم بدا ثالث كزّ(١) مقيت عليه قميص وسخ، معه مرآتان، فجعل يصفّق بيديه إحداهما على الأخرى فخالطتا بصوتهما ما يفعله الرجلان(٢)، ثم بدا رابع عليه قميص مصون وسراويل مصونة وخفان أجذمان(٣) لا ساق لواحد منهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط(٤) به على الأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح مكانه حتّى كان أغبط القوم عندي. ورأيت القوم يحذفونه(٥) بالدراهم حذفا منكرا، ثم أرسل النساء إلينا: أن أمتعونا / من لهوكم هذا. فبعثوا بهم، وجعلنا نسمع أصواتهنّ من بعد، وكان معنا في البيت شابّ لا آبه(٦) له، فعلت الأصوات بالثناء عليه والدعاء، فخرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها، فيها خيوط أربعة، فاستخرج من خلالها عودا فوضعه خلف أذنه، ثم عرك آذانها وحرّكها بخشبة في يده فنطقت - وربّ الكعبة - وإذا هي أحسن قينة(٧) رأيتها قطَّ، وغنّى عليها، فأطربني حتى استخفني من مجلسي، فوثبت فجلست بين يديه، وقلت: بأبي أنت وأمي، فما هذه الدابة فلست أعرفها للأعراب وما أراها خلقت إلا قريبا. فقال: هذا البربط؟(٨) فقلت بأبي أنت وأمّي، فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: الزير(٩). قلت: فالذي يليه؟ قال: المثنى(١٠). قلت: فالثالث؟ المثلث(١١). قلت: فالأعلى؟ قال:
  البمّ(١٢). قلت: آمنت باللَّه أوّلا، وبك ثانيا، وبالبربط ثالثا، وبالبم رابعا.
  قال: فضحك أبي، واللَّه، حتّى سقط، وجعل ناهض يعجب من ضحكه، ثم كان بعد ذلك يستعيده هذا / الحديث، ويطرف به إخوانه فيعيده ويضحكون منه.
  وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النوفليّ، عن أبيه، قال:
  كان محمّد بن خالد بن يزيد بن معاوية بحلب، فأتاه أعرابيّ، فقال له: حدّث أبا عبد اللَّه - يعني الهيثم بن النّخعي - بما رأيت في حاضر المسلمين. فحدثه بنحو من هذا الحديث، ولم يسمّ الأعرابيّ باسمه، وما أجدره بأن يكون لم يعرفه باسمه ونسبه أو لم يعرفه الَّذي حدّث به النوفلي عنه.
  الكعبي يستعدي قومه بني كلاب على من عقر إبله
  نسخت من كتاب لعلي بن محمّد الكوفي فيه شعر ناهض بن ثومة قال: كان رجل من بني كعب قد تزوّج امرأة من بني كلاب، فنزل فيهم ثم أنكر منها بعض ما ينكره الرجل من زوجته فطلَّقها، وأقام بموضعه في بني كلاب، وكان لا يزالون يستخفّون به ويظلمونه، وإن رجلا منهم أورد إبله الماء فوردت إبل الكعبيّ عليها، فزاحمته، لكنها
(١) الكز: الجهم المنقبض. والمقيت: الممقوت.
(٢) في الأصول: «فخالطت بصوته».
(٣) الأجذمان: من قولهم «أجذم»، أي مقطوع اليد.
(٤) التبط به، المعروف «لبط به» أي صرع.
(٥) يحذفونه: يرمونه.
(٦) لا آبه له: لا أفطن أو نسيته ثم فطنت له.
(٧) القينة: المغنية.
(٨) البربط: العود.
(٩) الزير: أدق أوتار العود.
(١٠) المثنى: من أوتار العود بعد الأوّل.
(١١) المثلث من أوتار العود.
(١٢) البم: الوتر الغليظ من أوتار المزهر.