كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ناهض بن ثومة ونسبه

صفحة 125 - الجزء 13

  ألقته على ظهره فتكشّف، فقام مغضبا بسيفه إلى إبل الكعبي، فعقر منها عدّة، وجلاها عن الحوض، ومضى الكعبيّ مستصرخا بني كلاب على الرجل، فلم يصرخوه، فساق باقي إبله واحتمل بأهله حتى رجع إلى عشيرته، فشكا ما لقى من القوم واستصرخهم، فغضبوا له، وركبوا معه حتى أتوا حلَّة بني كلاب، فاستاقوا إبل الرجل الَّذي عقر لصاحبهم، ومضى الرجل فجمع عشيرته، وتداعت هي وكعب للقتال، فتحاربوا في ذلك حربا شديدا، وتمادى الشرّ بينهم، حتى تساعى حلماؤهم في القضية، فأصلحوها على أن يعقل القتلى والجرحى، وتردّ الإبل، وترسل من العاقر عدة الإبل الَّتي عقرها للكعبي، فتراضوا بذلك واصطلحوا، وعادوا إلى الألفة، فقال في ذلك ناهض بن ثومة:

  أمن طلل بأخطب أبّدته ... نجاء الوبل والدّيم النّضاح⁣(⁣١)

  ومرّ الدهر يوما بعد يوم ... فما أبقى المساء ولا الصباح

  فكل محلَّة عنيت بسلمى ... لريدات الرياح بها نواح⁣(⁣٢)

  تطلّ على الجفون الحزن حتى ... دموع العين ناكزة نزاح⁣(⁣٣)

  / وهي طويلة يقول فيها:

  هنيئا للعدى سخط ورغم ... وللفرعين بينهما اصطلاح

  وللعين الرقاد فقد أطالت ... مساهرة وللقلب انتجاح

  وقد قال العداة نرى كلابا ... وكعبا بين صلحهما افتتاح

  تداعوا للسّلام وأمر نجح ... وخير الأمر ما فيه النجاح

  ومدّوا بينهم بحبال مجد ... وثدي لا أجدّ ولا ضياح⁣(⁣٤)

  ألم تر أنّ جمع القوم يحشى ... وأن حريم واحدهم مباح

  وأن القدح حين يكون فردا ... فيهصر لا يكون له اقتداح⁣(⁣٥)

  وإنك إن قبضت بها جميعا ... أبت ما سمت واحدها القداح

  / أنا الخطَّار دون بني كلاب ... وكعب إن أتيح لهم متاح⁣(⁣٦)

  أنا الحامي لهم ولكل قرم ... أخ حام إذا جد النّضاح⁣(⁣٧)

  أنا الليث الَّذي لا يزدهيه ... عواء العاويات ولا النّباح

  سل الشعراء عني هل أقرت ... بقلبي أو عفت لهم الجراح⁣(⁣٨)


(١) أخطب: اسم جبل بنجد. وأبدته: أوحشته. نجاء بالنون والجيم: جمع نجو، وهو السحاب الَّذي قد هراق ماءه. والديم: جمع ديمة، وفي الأصل: «الضيم». والنضاح: الَّتي تنضح بالماء، ووردت في الأصول بالصاد المهملة.

(٢) عنيت: عمرت، في ش، ج بالعين المهملة وهو تصحيف. الريدات: جمع ريدة، وهي الريح الكثيرة الهبوب. وفي الأصول:

«لريدان».

(٣) تطل في س، ش بالطاء المهملة، أما في ج فالظاء المعجمة. أراد أنها تهدر الحزن وتبطله، وذلك لكثرة ما استنزفت من الدمع.

والناكزة: الَّتي فني ماؤها، والنزاح كذلك.

(٤) الأجد: المقطوع. والضياح: اللبن الرقيق الممزوج.

(٥) القدح: العود. ويهصر: يكسر. والاقتداح: الضرب به.

(٦) الخطار: الَّذي يخطر بالسيف ويهزه معجبا. والمتاح: ما يتاح ويقدر.

(٧) القرم: السيد. النضاح: الدفاع، يقال هو يناضح عن قومه، أي يذب عنهم.

(٨) عفت: زالت وانقطعت.