كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المخبل ونسبه

صفحة 133 - الجزء 13

  ثم انقطع عليه كلامه، إمّا بشرق أو انقطاع نفس، فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله: «وأبي». فسبقه الزبرقان قبل أن يتم ويبين، فقال: صدقت، وما في ذاك إن كان شيخانا قد اشتركا في صنعة. فغلبه الزبرقان، وضحكوا من قوله وتفرّقوا، وقد انقطع بالمخبل قوله.

  زرارة بن المخبل يضرب الطباوي بحجر فيطلب أبوه إلى بغيض بن عامر أن يحمل الدية ثم يكسوه

  أخبرنا اليزيديّ، قال: حدّثني عمي عن عبيد اللَّه عن ابن حبيب، قال: كان زرارة بن المخبّل يليط⁣(⁣١) حوضه، فأتاه رجل من بني علباء بن عوف، فقال له: صارعني. فقال له زرارة: إني عن صراعك لمشغول. فجذب بحجزته وهو غافل فسقط، فصاح به فتيان الحي: صرع زرارة وغلب. فأخذ زرارة حجرا، فأخذ به رأس العلباويّ، فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمّل عن ابنه / الدية، فتحملها وتخلَّصه، وكسا المخبل حلة حسنة، وأعطاه ناقة نجيبة، فقال المخبل يمدحه:

  لعمر أبيك لا ألقى ابن عمّ ... على الحدثان خيرا من بغيض

  أقلّ ملامة وأعزّ نصرا ... إذا ما جئت بالأمر المريض

  كساني حلَّة وحبا بعنس ... أبسّ بها إذا اضطربت غروضي⁣(⁣٢)

  غداة جنى بنيّ على جرما ... وكيف يداي بالحرب العضوض⁣(⁣٣)

  فقد سدّ السبيل أو حميد ... كما سدّ المخاطبة ابن بيض⁣(⁣٤)

  خبر ابن بيض

  - أبو حميد: بغيض بن عامر. وأما قوله: «كما سدّ المخاطبة ابن بيض»، فإنّ ابن بيض: رجل من بقايا قوم عاد، كان تاجرا، وكان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر معلوم، فأجازة سنة وسنتين، وعاد التاجر ولقمان غائب، فأتى قومه فنزل فيهم، ولقمان في سفره، ثم حضرت / التاجر الوفاة فخاف لقمان على بنيه وماله فقال لهم: إن لقمان صائر إليكم، وإنّي أخشاه إذا علم بموتي على مالي، فاجعلوا ماله قبلي في ثوبه، وضعوه في طريقه إليكم، فإن أخذه واقتصر عليه فهو حقّه، فادفعوه إليه واتّقوه، وإن تعدّاه رجوت أن يكفيكم اللَّه إياه. ومات الرجل، وأتاهم لقمان وقد وضعوا حقه على طريقه، فقال: «سدّ ابن⁣(⁣٥) بيض الطريق»، فأرسلها مثلا، وانصرف وأخذ حقه. وقد ذكرت ذلك الشعراء، فقال بشامة بن عمرو:

  كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسدّ على السالكين السبيلا

  / قال ابن حبيب: ولما حشدت بنو علباء للمطالبة لدم صاحبهم، حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبّل، ومشت المشيخة في الأمر، وقالوا: هذا قتل⁣(⁣٦) خطأ، فلا تواقعوا الفتنة، واقبلوا الدية. فقبلوها وانصرفوا، فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك:


(١) يليط: يطين، وفي ح: «يلط».

(٢) العنس: الناقة الصلبة. أبس يقال بس الإبل: ساقها سوقا لينا وزجرها. والغروض: جمع غرض بالفتح، وهو للرحل كالحزام للسرج.

(٣) العضوض: الشديدة.

(٤) البيت والمثل عند الميداني في قوله: «سد ابن بيض الطريق».

(٥) ابن بيض بكسر الباء، ويروى بفتحها.

(٦) في ح: «قتيل».