أخبار غيلان ونسبه
  يرتجى، وإيّاكم والقصيرة الرّطلة(١)، فإنّ أبغض الرجال إليّ أن يقاتل / عن إبلي أو يناضل عن حسبي، القصير الرّطل. ثم أنشأ يقول:
  وحرّة قوم قد تنوّق فعلها ... وزيّنها أقوامها فتزيّنت
  رحلت إليها لا تردّ وسيلتي ... وحمّلتها من قومها فتحمّلت
  وفود غيلان على كسرى
  أخبرني عمي قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكراني، قال:
  كان غيلان بن سلمة الثّقفيّ قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم: يا غيلان، أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال:
  «الصغير حتى يكبر، والمريض حتّى يبرأ، والغائب حتى يقسم». قال له: ما غذاؤك؟ قال: خبز البر. قال: قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل وغذاؤك غذاء العرب، إنّما البرّ جعل لك هذا العقل.
  رواية أخرى في هذا الخبر
  قال: الكراني، قال العمري: روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتمّ من هذه الرواية، ولم أسمعه منه. قال الهيثم: حدّثني أبي، قال:
  خرج أبو سفيان بن حرب في جماعة من قريش وثقيف يريدون(٢) العراق بتجارة، فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان، فقال لهم: إنّا من مسيرنا هذا لعلى خطر، ما قدومنا على ملك جبّار لم يأذن لنا في القدوم عليه، وليست بلاده لنا بمتجر؟! ولكن أيّكم يذهب بالعير، فإن أصيب فنحن برآء من دمه، وإن غنم فله نصف الرّبح؟ فقال غيلان بن سلمة: دعوني إذا فأنا لها. فدخل الوادي، فجعل يطوفه ويضرب فروع الشجر ويقول:
  ولو رآني أبو غيلان إذ حسرت ... عني الأمور إلى أمر له طبق(٣)
  لقال رغب ورهب يجمعان معا ... حبّ الحياة وهول النّفس والشفق(٤)
  إمّا بقيت على مجد ومكرمة ... أو أسوة لك فيمن يهلك الورق(٥)
  ما دار بين غيلان وبين كسرى
  ثم قال: أنا صاحبكم. ثم خرج في العير، وكان أبيض طويلا جعدا ضخما، فلما قدم بلاد كسرى، تخلَّق(٦) ولبس ثوبين أصفرين، وشهر أمره، وجلس بباب كسرى حتّى أذن له، فدخل عليه وبينهما شبّاك من ذهب، فخرج إليه التّرجمان؛ وقال له: يقول لك الملك: من أدخلك بلادي بغير إذني؟ فقال: قل له: لست من أهل عداوة لك، ولا أتيتك جاسوسا لضدّ من أضدادك، وإنما جئت بتجارة تستمتع بها، فإن أردتها فهي لك، وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيّتك بعتها، وإن لم تأذن في ذلك رددتها. قال: فإنّه ليتكلَّم إذ سمع صوت كسرى فسجد، فقال له الترجمان: يقول لك الملك: لم سجدت؟ فقال: سمعت صوتا عاليا حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالا
(١) الرطلة بفتح الراء وكسرها: المرأة الحمقاء الضعيفة. هذا. والوصية نسبت في «البيان والتبيين» (٢: ٦٧) طبع لحنة التأليف، إلى عثمان بن أبي العاصي.
(٢) ح: «يريد».
(٣) حسر: انكشف. الطبق: الحال والخطر، والَّذي له ما بعده.
(٤) الرغب: الرغبة. وفي الأصول: «رعب».
(٥) الورق: الفضة.
(٦) تخلق: تطيب بالخلوق.