أخبار الحصين بن الحمام ونسبه
  سعد إخوة عذرة بن سعد، وكانوا حلفاء لبني صرمة بن مرّة ونزولا فيهم. وكان الحرقة(١) وهم بنو حميس بن عامر بن جهينة حلفاء لبني سهم بن مرّة، وكانوا قوما / يرمون بالنّبل رميا سديدا(٢)، فسمّوا الحرقة لشدّة قتالهم.
  وكانوا نزولا في حلفائهم بني سهم بن مرّة. وكان في بني صرمة يهوديّ من أهل تيماء يقال له جهينة بن أبي حمل.
  وكان في بني سهم يهوديّ من / أهل وادي القرى يقال له غصين(٣) بن حيّ، وكانا تاجرين في الخمر(٤). وكان بنو جوشن - أهل بيت من عبد اللَّه بن غطفان - جيرانا لبني صرمة، وكان يتشاءم بهم ففقدوا منهم رجلا يقال له خصيلة(٥) كان يقطع الطريق وحده. وكانت أخته وإخوته يسألون الناس عنه، وينشدونه في كل مجلس وموسم.
  فجلس ذات يوم أخ لذلك المفقود الجوشنيّ في بيت غصين بن حيّ جار بني سهم يبتاع خمرا، فبينما هو يشتري(٦) إذ مرّت أخت المفقود تسأل عن أخيها خصيلة، فقال غصين(٧):
  تسائل عن أخيها كلّ ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
  فأرسلها مثلا(٨)، يعني بجهينة نفسه. فحفظ الجوشنيّ هذا البيت، ثم أتاه من الغد فقال له: نشدتك اللَّه ودينك هل تعلم لأخي علما؟ فقال له: لا وديني لا أعلم. فلما مضى أخو المفقود تمثّل:
  /
  لعمرك ما ضلَّت ضلال ابن جوشن ... حصاة بليل ألقيت وسط جندل
  - أراد أن تلك الحصاة يجوز أن توجد، وأن هذا لا يوجد أبدا - فلما سمع الجوشنيّ ذلك تركه، حتى إذا أمسى أتاه فقتله. وقال الجوشني:
  طعنت وقد كاد الظلام يجنّني ... غصين بن حيّ في جوار بني سهم(٩)
  فأتي حصين بن الحمام(١٠) فقيل له: إنّ جارك غصينا اليهوديّ قد قتله ابن(١١) جوشن جار بني صرمة. فقال حصين:
(١) اختلف اللغويون في ضبطه: فضبط بضم فسكون، وبضمتين، وبضم ففتح (انظر «تاج العروس»).
(٢) في الأصول «شديدا»، والصواب «سديدا»؛ كما في «مختار الأغاني الكبير» ج ٣ ص ٤٠٣.
(٣) في ب، س «حصين» والصواب غصين كما في ج و «مختار الأغاني الكبير» ج ٣: ص ٤٠٤ و «لسان العرب» مادة جفن، وقد تكرر هذا الاسم بعد محرفا.
(٤) كذا في ج. وفي ب، س: «وكان تاجرا في الخمر».
(٥) في ب، س «حصين».
(٦) في ج و «مختار الأغاني». «فبينما هما يشربان».
(٧) في ب، س: «جهينة» وهو تحريف.
(٨) ورد في «مجمع الأمثال» للميداني (١: ٣٩٤) في شرح هذا المثل ما ملخصه: أن حصين بن سبيع الغطفاني خرج مع الأخنس بن كعب الجهني وتعاقدا على السلب والنهب، وكلاهما فاتك يحذر صاحبه. وكان من أمرهما أن طلبا رجلا من لخم ليسلباه، فوجداه نازلا في ظل شجرة وقدامه طعام وشراب فنزلا به وأكلا وشربا معه. ثم إن الجهني ذهب لبعض شأنه، فرجع فرأى الحصين قد فتك باللخمي. وأراد الحصين بعد ذلك أن يتغفل صاحبه الجهني ليقتله، ولكنه فطن لما يراد به، فبادره بقتله، واحتوى على متاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعا إلى قومه، فإذا هو بامرأة تنشد الحصين بن سبيع، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا صخرة امرأة الحصين، قال: أنا قتلته. فقالت: كذبت، ما مثلك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلوا ما تكلمت بهذا. ثم قال في ذلك أبياتا منها:
تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
اقرأ هذا الخبر أيضا وشرح المثل المذكور في «لسان العرب» مادة جفن، وفيه أنه يروى «حفينة» بالحاء، ويروى «جفينة» بالجيم.
(٩) في الأصول و «مختار الأغاني»: «ظعنت» وهو تصحيف. وأجنه: ستره.
(١٠) في الأصول: «فقال له» والتصويب من «مختار الأغاني الكبير».
(١١) في الأصول: «أبو جوشن» والتصحيح عن «مختار الأغاني».