أخبار الحصين بن الحمام ونسبه
  فاقتلوا اليهوديّ الَّذي في جوار بني صرمة، فأتوا جهينة بن أبي حمل فقتلوه. فشدّ بنو صرمة على ثلاثة من حميس بن عامر جيران بني سهم فقتلوهم. فقال حصين: اقتلوا من جيرانهم بني سلامان ثلاثة نفر، ففعلوا. فاستعر الشرّ بينهم. قال: وكانت بنو صرمة أكثر من بني سهم رهط الحصين بكثير. فقال لهم الحصين: يا بني صرمة، قتلتم جارنا اليهودي فقتلنا به جاركم اليهودي، فقتلتم من جيراننا من قضاعة ثلاثة نفر وقتلنا من جيرانكم بني سلامان ثلاثة نفر، وبيننا وبينكم رحم ماسّة قريبة، فمروا جيرانكم من بني سلامان فيرتحلون عنكم، ونأمر جيراننا من قضاعة فيرتحلون عنا جميعا، ثم هم أعلم. فأبى ذلك بنو صرمة، وقالوا: قد قتلتم جارنا ابن جوشن، فلا نفعل حتى نقتل مكانه رجلا من جيرانكم؛ فإنك(١) تعلم أنكم أقلّ منا عددا وأذلّ، وإنّما بنا تعزّون وتمنعون. فناشدهم اللَّه والرحم فأبوا. وأقبلت الخضر(٢) من محارب، وكانوا في بني ثعلبة بن سعد، فقالوا: نشهد نهب / بني سهم إذا انتهبوا فنصيب منهم. وخذلت غطفان كلَّها حصينا، وكرهوا ما كان من منعه جيرانه من قضاعة. وصافّهم حصين الحرب وقاتلهم ومعه جيرانه، وأمرهم ألَّا يزيدوهم على النّبل، وهزمهم الحصين، وكفّ يده بعد ما أكثر فيهم القتل. وأبى ذلك البطن(٣) من قضاعة أن يكفّوا عن القوم حتى أثخنوا فيهم. وكان سنان بن أبي حارثة(٤) خذّل الناس عنه لعداوته قضاعة، وأحبّ سنان أن يهبّ الحيّان من قضاعة، وكان عيينة بن حصن وزبّان / بن سيّار بن عمرو بن جابر ممن خذّل عنه أيضا. فأجلبت بنو ذبيان على بني سهم مع بني صرمة، وأجلبت محارب بن خصفة معهم.
  شعره في لوم بني عمه على تجردهم لقتاله
  فقال الحصين بن الحمام في ذلك من أبيات:
  ألا تقبلون النّصف منّا وأنتم ... بنو عمّنا! لا بلّ هامكم القطر(٥)
  سنأبى كما تأبون حتى تلينكم ... صفائح بصرى والأسنّة والأصر(٦)
  أيؤكل مولانا ومولى ابن عمنا ... مقيم ومنصور كما نصرت جسر(٧)
  فتلك الَّتي لم يعلم الناس أنني ... خنعت لها حتى يغيّبني القبر
  فليتكم قد حال دون لقائكم ... سنون ثمان بعدها حجج عشر(٨)
  / أجدّي لا ألقاكم الدهر مرّة ... على موطن إلَّا خدودكم صعر(٩)
(١) كذا في ح. وفي ب، س: «فإنا نعلم».
(٢) في الأصول «الحضر» بالحاء؛ وهو تصحيف. والصواب الخضر، وهم بطن من قيس عيلان سموا بذلك لخضرة ألوانهم. وقد رأيته بعد في «مختار الأغاني الكبير» ج ٣: ص ٤٠٥ قال: «وأقبلت الحضر خضر محارب».
(٣) أي بنو حميس بن عامر.
(٤) في الأصول «أبي جارية» وهو تصحيف.
(٥) النصف: الإنصاف كالنصف محركة. والهام: جمع هامة، وهي الرأس. يدعو عليهم بألا يمطروا.
(٦) الصفائح: السيوف العريضة. بصرى: بلد بالشام من أعمال دمشق، وتنسب إليها السيوف البصرية. الأصر: الكسر والحبس.
(٧) في ب، س «نعيم» وهو تحريف، وتصويبه عن ح و «مختار الأغاني». المولى: الحليف والجار. يعني حلفاءهم من بني حميس.
ومولى ابن عمنا: يعني بني سلامان حلفاء بني عمهم صرمة بن مرة. وجسر: هم جسر بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان. وقد تقدم في القصة: أن محارب بن خصفة أجلبت مع بني صرمة على بني سهم قوم الحصين.
(٨) حجج: جمع حجة بالكسر، وهي السنة.
(٩) تقول العرب: أجدّي وأجدك، بالنصب وبكسر الجيم وفتحها. فمن قال: أجدك بكسر الجيم فإنه يستحلفه بجده وحقيقته، ومن فتح