أخبار الحصين بن الحمام ونسبه
  إذا ما دعوا للبغي قاموا وأشرقت ... وجوههم، والرّشد ورد له نفر(١)
  فواعجبا حتّى خصيلة أصبحت ... موالي عزّ لا تحلّ لها الخمر!
  - قوله: موالي عزّ، يهزأ بهم. ولا تحلّ لهم الخمر، أراد فحرّموا الخمر على أنفسهم كما يفعل العزيز، وليسوا هناك -:
  ألمّا كشفنا لأمة الذّلّ عنكم ... تجرّدت لا برّ جميل ولا شكر(٢)
  فإن يك ظنّي صادقا تجز منكم ... جوازي الإله والخيانة والغدر(٣)
  قال: فأقاموا على الحرب والنزول على حكمهم، وغاظتهم بنو ذبيان ومحارب بن خصفة. وكان رئيس محارب حميضة بن حرملة. ونكصت عن حصين قبيلتان من بني سهم وخانتاه، وهما عدوان وعبد عمرو بنا سهم، فسار حصين، وليس معه من بني سهم إلا بنو وائله بن سهم وحلفاؤهم وهم الحرقة، وكان فيهم العدد، فالتقوا بدارة موضوع، فظفر بهم الحصين وهزمهم وقتل منهم فأكثر. وقال الحصين بن الحمام في ذلك:
  انتصاره عليهم وشعره في ذلك وفخره بقومه
  جزى اللَّه أفناء العشيرة كلَّها ... بدارة موضوع عقوقا ومأثما(٤)
  بني عمّنا الأدنين منهم ورهطنا ... فزارة إذا رامت بنا الحرب معظما(٥)
  / ولمّا رأيت الودّ ليس بنافعي ... وإن كان يوما ذا كواكب مظلما(٦)
  صبرنا وكان الصبر منا سجيّة ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
  نفلَّق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
  نطاردهم نستنقذ الجرد بالقنا ... ويستنقذون السّمهريّ المقوّما(٧)
  - نستنقذ الجرد، أي نقتل الفارس فنأخذ فرسه. ويستنقذون السمهريّ وهو القنا الصلب، أي نطعنهم فتجرّهم الرماح -
  لدن غدوة(٨) حتى أتى الليل ما ترى ... من الخيل(٩) إلَّا خارجيّا مسوّما
= الجيم استحلفه بجده وهو بخته. ونصبه على المصدر، كأنه قال: أجدا منك، أو بطرح الباء ومعناه أبجد هذا منك. ولا يستعمل إلا مضافا. وصعر: جمع أصعر، وصف من الصعر بالتحريك وهو ميل الخد؛ يقال: صعر خده، إذا أماله عن النظر إلى الناس تهاونا.
(١) النفر: الجماعة يتقدمون في الأمر.
(٢) اللأمة: الدرع. يريد لباس الذل. تجرد للأمر: جدّ فيه، أي جددت في قتالنا.
(٣) الجوازي: الجزاء، جمع جازية، مصدر على فاعلة.
(٤) الأفناء من الناس: الأخلاط، واحدها فنو بالكسر أو فنا كعصا. ودارة موضوع: موضع بين ديار بني مرة وديار بني شيبان.
(٥) أي جزى اللَّه بني عمنا معظما أي أمرا معظما.
(٦) اسم كان ضمير اليوم، أي وإن كان اليوم يوما ذا كواكب. ويوم ذو كواكب: ذو شدائد، كأنه أظلم بما فيه من الشدائد حتى رئيت كواكب السماء.
(٧) الجرد: جمع أجرد وجرداء. وفرس أجرد: قصير الشعر رقيقه، وذلك من علامات العتق والكرم. والسمهري: نسبة إلى سمهر، وهو رجل كان يثقف الرماح.
(٨) ورد نصب غدوة بعد لدن وهو نادر، فلدن حينئذ منقطعة عن الإضافة لفظا ومعنى، وغدوة بعدها منصوبة على التمييز للدن أو على أنها خبر لكان محذوفة مع اسمها أي لدن كانت الساعة غدوة. ويجوز جر غدوة بالإضافة على الأصل، ورفعها بكان تامة محذوفة.
والغدوة: البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
(٩) في الأصول: «من الليل». والتصحيح عن «مختار الأغاني» و «المفضليات» و «منتهي الطلب». والخارجي هنا: كل ما فاق جنسه