أخبار قيس بن عاصم ونسبه
  وإنّ من لا يرحم لا يرحم «(١) أو كما قال ﷺ.
  أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثني عمّي أبو فراس محمّد بن فراس عن عمر بن أبي بكَّار عن شيخ من بني تميم عن أبي هريرة:
  أن قيس بن عاصم دخل على رسول اللَّه ﷺ وفي حجره بعض بناته يشمّها، فقال له: ما هذه السّخلة(٢) تشمّها؟ فقال: هذه ابنتي. فقال: واللَّه لقد ولد لي بنون ووأدت بنيّات ما شممت منهنّ أنثى ولا ذكرا قطَّ. فقال رسول اللَّه ﷺ: «فهل إلا أن ينزع اللَّه الرحمة من قلبك(٣)»!
  سبب وأده لبناته
  قال أحمد بن الهيثم قال عمّي فحدّثني عبد اللَّه بن الأهتم:
  أن سبب وأد قيس بناته أنّ المشمرج اليشكريّ أغار على بني سعد فسبى منهم نساء واستاق أموالا، وكان في النساء امرأة، خالها قيس بن عاصم، وهي رميم بنت أحمر(٤) بن جندل السّعديّ، وأمّها أخت قيس. فرحل قيس إليهم يسألهم أن يهبوها له أو يفدوها، فوجد عمرو بن المشمرج قد اصطفاها لنفسه. فسأله فيها، فقال: قد جعلت أمرها إليها فإن اختارتك فخذها. فخيّرت، فاختارت عمرو بن المشمرج. فانصرف قيس فوأد كلّ بنت، وجعل ذلك سنّة في كلّ بنت تولد له، واقتدت به العرب في ذلك؛ فكان كلّ سيّد يولد له بنت يئدها خوفا من الفضيحة.
  خبره مع زوجه منفوسة بنت زيد الفوارس
  أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه عن جدّه قال:
  تزوّج قيس بن عاصم المنقريّ منفوسة بنت زيد الفوارس الضّبّي، وأتته في الليلة الثانية من بنائه بها بطعام، فقال: فأين أكيلي؟ فلم تعلم ما يريد؛ فأنشأ يقول:
  أيابنة عبد الله وابنة مالك ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد(٥)
  إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
  / أخا طارقا أو جار بيت فإنّني ... أخاف ملامات الأحاديث من بعدي
(١) روى البخاري بسنده عن أبي هريرة ¥ قال: قبل رسول اللَّه ﷺ الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول اللَّه ﷺ ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم». «إرشاد الساري» «لشرح صحيح البخاري» (٩: ٢٠).
(٢) السخلة: ولد الشاة.
(٣) روى البخاري بسنده عن عائشة ^ قالت: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: تقبلون الصبيان! فما نقبلهم، فقال النبي ﷺ:
«أو أملك لك أن نزع اللَّه من قلبك الرحمة»! «إرشاد الساري» (٩: ٢١).
(٤) في الأصول: «بنت أحمد»، وهو تحريف.
(٥) ذو البردين: هو عامر بن أحيمر بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم؛ لقب بذلك لأن الوفود اجتمعوا عند عمرو بن المنذر بن ماء السماء، فأخرج بردين وقال: ليقم أعز العرب فليلبسهما، فقام عامر؛ فقال له: أنت أعز العرب؟ قال:
نعم؛ لأن العز كله في معدّ ثم نزار ثم مضر ثم تميم ثم سعد ثم كعب؛ فمن أنكر ذلك فليناظر، فسكتوا. فقال: هذه قبيلتك، فكيف أنت في نفسك وأهل بيتك؟ فقال: أنا أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة، ثم وضع قدمه على الأرض وقال: من أزالها عن مكانها فله مائة من الإبل، فلم يقم إليه أحد؛ فأخذ البردين وانصرف. «تاج العروس» (مادة برد). والفرس الورد: الَّذي بين الكميت والأشقر.