أخبار محمد بن حازم ونسبه
  وإنّ لنا بالتّرك قبرا مباركا ... وبالصّين قبرا عزّ كلّ موحّد(١)
  وما نابنا صرف الزمان بسيّد ... بكينا عليه أو يوافي بسيّد(٢)
  ولو أنّ قوما يسلمون من الرّدى ... سلمنا ولكنّ المنايا بمرصد(٣)
  أبى اللَّه أن يهدي نميرا لرشدها ... ولا يرشد الإنسان إلا بمرشد
  هجاؤه عاملا لمحمد بن حامد على الأهواز
  حدّثني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمّد بن القاسم ورجل من ولد البختكان(٤) من الأهوازيّين. أنّ محمّد بن حامد ولي بعض كور الأهواز في أيّام المأمون، وأنّ محمّد بن / حازم الباهليّ قدم عليه زائرا ومدحه، فوصله وأحسن إليه، وكتب له إلى تستر(٥) بحنطة وشعير، فمضى بكتابه، وأخذ ما كتب له به، وتزوّج هناك امرأة من الدّهاقين(٦)، فزرع الحنطة والشعير في ضيعتها؛ وولَّى محمّد بن حامد رجلا من أهل الكوفة الخراج بتستر، فوكل بغلَّة محمّد بن حازم، وطالبه بالخراج فأدّاه، فقال يهجوه:
  زرعنا فلمّا سلَّم اللَّه زرعنا ... وأوفى عليه منجل بحصاد(٧)
  بلينا بكوفيّ حليف مجاعة ... أضرّ علينا من دبا وجراد(٨)
  أتى مستعدّا ما يكذّب دونه ... ولجّ بإرغام له وبعاد(٩)
  فطورا بإلحاح عليّ وغلظة ... وطورا بخبط دائم وفساد
  ولولا أبو العبّاس أعنى ابن حامد ... لرحّلته عن تستر بسواد
  فكفّوا الأذى عن جاركم وتعلَّموا ... بأنّي لكم في العالمين منادي
  فبعث محمّد بن حامد إلى عامله فصرفه عن الناحية، وقال له: عرّضتني لما أكره، واحتمل خراج محمّد بن حازم.
(١) في الأصول «وإنا» تحريف. يفتخر في هذا البيت بمآثر قتيبة بن مسلم الباهلي - وهو باهلي مثله - ويتمدّح بفتوحه الَّتي كان فيها عز الإسلام والمسلمين. وذلك أن الحجاج ولاه خراسان فغزا بلاد ما وراء النهر، وافتتح بخارى وسمرقند وخوارزم؛ ووصل في فتوحه إلى كشغر من بلاد الصين، وقتل سنة ٩٦ هـ.
(٢) في الأصول: «وما فاتنا» وهو تحريف، وفي ج «فبينا علها» وفي ب، س «يثبنا عليها» وهو تحريف.
(٣) أخذه من قول عديّ: «وإن المنايا للرجال بمرصد». رصده كنصر: قعد له على طريقه. والمرصد والمرصاد: الطريق.
(٤) البختكان: هو والد بزرجمهر الوزير العادل لأنوشروان ملك الفرس. وقد اشتهر هذا الوزير برجاحة عقله وحكمته، وأثر عنه كثير من الحكم البليغة، وأحضر جملة كتب من الهند، وترجمها إلى اللسان البهلوي، وعمر طويلا، وتوفي زمن هرمز الثالث بن أنوشروان بين سنة ٥٨٠، وسنة ٥٩٠ م. انظر «قاموس الأعلام» لشمس الدين سامي.
(٥) تستر: مدينة كبيرة بالأهواز.
(٦) الدهاقين: جمع دهقان بالكسر والضم: وهو زعيم فلاحي العجم، ورئيس الإقليم.
(٧) أوفى عليه: أشرف.
(٨) الدبا: أصغر الجراد والنمل.
(٩) ما يكذب دونه، أي ما ينثني عن الزرع حتى يستولي على حصة الخراج منه؛ من قولهم: حمل عليه فما كذب (بالتشديد): أي ما انثنى وما جبن وما رجع.