أخبار محمد الزف
١٤ - أخبار محمّد الزّفّ(١)
  نسبه وبعض أخباره
  هو محمّد بن عمرو مولى بني تميم، كوفي الأصل والمولد والمنشأ؛ والزفّ: لقب غلب عليه، وكان مغنّيا ضاربا طيّب المسموع، صالح الصنعة، مليح النادرة، أسرع خلق اللَّه أخذا للغناء، وأصحهم أداء له، وأذكاهم، إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثا أدّاه لا يكون بينه وبين من أخذه عنه فرق، وكان يتعصب على ابن جامع، ويميل إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق، فكانا يرفعان منه، ويقدّمانه ويجتلبان له الرفد والصلات من الخلفاء، وكانت فيه عربدة إذا سكر، فعربد بحضرة الرشيد مرّة فأمر بإخراجه، ومنعه من الوصول إليه، وجفاه وتناساه، وأحسبه مات في خلافته أو في خلافة الأمين.
  أخبرني بذلك ذكاء وجه الرزة عن محمّد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل.
  أخبرني ابن جعفر جحظة قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن / أبيه قال: غنى ابن جامع يوما بحضرة الرشيد:
  صوت
  ادّعاؤه غناء لابن جامع
  جسور على هجري، جبان على وصلي ... كذوب غدا يستتبع الوعد بالمطل(٢)
  مقدّم رجل في الوصال مؤخّر ... لأخرى(٣)، يشوب الجدّ في ذاك بالهزل
  / يهمّ بنا حتى إذا قلت قد دنا ... وجادثني عطفا ومال إلى البخل(٤)
  يزيد امتناعا كلَّما زدت صبوة ... وأزداد حرصا كلَّما ضنّ بالبذل
  فأحسن فيه ما شاء وأجمل، فغمزت عليه محمّدا الزّفّ، وفطن لما أردت، واستحسنه الرشيد، وشرب عليه، واستعاده مرتين أو ثلاثا، ثم قمت للصلاة وغمزت الزف وجاءني، وأو مأت إلى مخارق وعلَّويه وعقيد فجاؤني، فأمرته بإعادة الصوت، فأعاده وأدّاه كأنه لم يزل يرويه، فلم يزل يكرره على الجماعة حتى غنّوه ودار لهم، ثم عدت إلى المجلس، فلما انتهى الدّور إليّ بدأت فغنّيته قبل كلّ شيء غنّيته، فنظر إليّ ابن جامع محدّدا نظره، وأقبل عليّ الرشيد فقال: أكنت تروي هذا الصوت؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال ابن جامع: كذب واللَّه، ما أخذه إلا مني
(١) في الأصول «الرف» بالراء، وورد في الجزء الخامس من «الأغاني» في نسب إبراهيم الموصلي وأخباره «محمّد الزف» بالزاي، وقد يرجح هذا أن الزف والزفيف معناه الإسراع، وهو الملائم لما عرف عنه من أنه كان أسرع خلق اللَّه أخذا للغناء وانظر «الأغاني» ج ١ ح ٢ من صفحة ٣٠٦ طبع دار الكتب المصرية.
(٢) في ج «كذوب غدا يبيع الوعد بالمطل».
(٣) ساقطة من نسخة ج.
(٤) ثني عطفه: لوى عنقه معرضا. وفي الأصول «عطفا» وفي ج «وحادبني» وهو تصحيف.