أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  تراه إذا ما جئته متهلَّلا ... كأنك تعطيه الَّذي أنت سائله
  ترى الجند والأعراب يغشون بابه ... كما وردت ماء الكلاب نواهله
  إذا ما أتوا أبوابه قال: مرحبا ... لجو الباب حتى يقتل الجوع قاتله
  ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطَّعة أعضاؤه ومفاصله(١)
  إذا ما أتوا أسماء كان هو الَّذي ... تحلَّب كفاه الندى وأنامله
  تراهم كثيرا حين يغشون بابه ... فتسترهم جدرانه ومنازله
  قال: فأعطاه أسماء حين أنشده هذه القصيدة ألفي درهم.
  شعره بين يدي عبيد اللَّه بن زياد
  أخبرني هاشم بن محمّد قال: حدّثنا العبّاس بن ميمون طائع قال: حدّثني أبو عدنان عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش، وقال ابن الأعرابي أيضا: دخل عبد اللَّه بن الزبير على عبيد اللَّه بن زياد بالكوفة وعنده أسماء بن خارجة حين قدم ابن الزبير من الشأم، فلمّا مثل بين يديه أنشأ يقول:
  حنّت قلوصي وهنا بعد هدأتها ... فهيّجت مغرما صبّا على الطَّرب(٢)
  / حنّت إلى خير من حثّ المطيّ له ... كالبدر بين أبي سفيان والعتب
  تذكَّرت بقرى البلقاء نائله ... لقد تذكرته من نازح عزب(٣)
  واللَّه ما كان بي لولا زيارته ... وأن ألاقي أبا حسان من أرب
  حنّت لترجعني خلفي فقلت لها ... هذا أمامك فالقيه فتى العرب
  لا يحسب الشرّ جارا لا يفارقه ... ولا يعاقب عند الحلم بالغضب
  من خير بيت علمناه وأكرمه ... كانت دماؤهم تشفى من الكلب(٤)
  قال ابن الأعرابيّ: كانت العرب تقول: من أصابه الكلب والجنون لا يبرأ منه إلى أن يسقى من دم ملك، فيقول: إنه من أولاد الملوك.
(١) البازل: الجمل في تاسع سنيه. البختي: من الجمال: طوال الأعناق. والخوان كغراب وكتاب: ما يؤكل عليه الطعام.
(٢) القلوص من الإبل: الشابة. الوهن: نحو من نصف الليل أو ما بعد ساعة منه. الهدأة والهدوء: السكون عن الحركات، ويقال: أتانا بعد هدأة من الليل أي جين هدأ الليل.
(٣) البلقاء: كورة من أعمال دمشق. نازح: بعيد، عزب: بعيد أيضا؛ وقالوا: رجل عزب: للذي يعزب في الأرض.
(٤) في ج: «أشفى».