أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  فقال محمّد بن عمير بن عطارد - وكان عدوّا لحجّار - أيّها الأمير، إنه لشاعر، وأشعر منه الَّذي يقول:
  شعر الفرزدق في بشر بن مروان
  لبشر بن مروان على كلّ حالة ... من الدهر فضل في الرخاء وفي الجهد
  قريع قريش والَّذي باع ماله ... ليكسب حمدا حين لا أحد يجدي(١)
  ينافس بشر في السماحة والنّدى ... ليحرز غايات المكارم بالحمد
  فكم جبرت كفّاك يا بشر من فتى ... ضريك، وكم عيّلت قوما على عمد(٢)
  وصيّرت ذا فقر غنيّا، ومثريا ... فقيرا، وكلَّا قد حذوت بلا وعد(٣)
  خبره مع حجار بن أبجر
  فقال بشر: من يقول هذا؟ قال: الفرزدق، وكان بشر مغضبا عليه، فقال: ابعث إليه فأحضره، فقال له: هو غائب بالبصرة، وإنّما قال هذه الأبيات وبعث بها لأنشدكها ولترضى عنه، فقال بشر: هيهات! لست راضيا عنه حتى يأتيني، فكتب محمّد بن عمير إلى الفرزدق، فتهيّأ للقدوم على بشر، ثم بلغه أن البصرة قد جمعت له مع الكوفة، فأقام وانتظر قدومه، فقال عبد اللَّه بن الزّبير لمحمّد بن عمير في مجلسه ذلك بحضرة بشر:
  /
  بني دارم هل تعرفون محمّدا ... بدعوته فيكم إذا الأمر حقّقا(٤)
  وساميتم قوما كراما بمجدكم ... وجاء سكيتا آخر القوم مخفقا(٥)
  فأصلك دهمان بن نصر فردّهم ... ولا تك وغدا في تميم معلَّقا
  فإن تميما لست منهم ولا لهم ... أخا يا بن دهمان فلا تك أحمقا
  ولولا أبو مروان لاقيت وابلا ... من السوط ينسيك الرّحيق المعتّقا(٦)
  أحين علاك الشيب أصبحت عاهرا ... وقلت اسقني الصّهباء صرفا مروّقا(٧)
  تركت شراب المسلمين ودينهم ... وصاحبت وغدا من فزارة أزرقا(٨)
  نبيتان من شرب المدامة كالَّذي ... أتيح له حبل فأضحى مخنّقا
  فقال بشر: أقسمت عليك إلَّا كففت، فقال: أفعل أصلحك اللَّه، واللَّه لولا مكانك لأنفذت
(١) أجدى: أعطى.
(٢) كلمة «كفاك» ساقطة من ج، ب، س وقد أثبتناها عن ط، مط. والضريك: الفقير السيء الحال. عيلهم: أهملهم.
(٣) حذوت: قدّرت.
(٤) دارم بن مالك بن حنظلة: بطن من تميم: ومحمّد: هو محمّد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي سيد تميم الكوفة.
والدعوة في النسب بالكسر: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته.
(٥) السكيت: الَّذي يجيء آخر حلبة الخيل.
(٦) كذا في ط، مط. والَّذي في باقي الأصول «وائلا»؛ وهو تصحيف.
(٧) الصهباء: الحمر. والصرف: الخالص، ذكر الوصف حملا على المعنى، أي شرابا صرفا مروقا. والرحيق: الخمر أو أطيبها.
(٨) أزرق، أي أزرق العين، أي شبيه بالروم، وكان العرب يكرهون الروم وهم زرق العيون، فكانت الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب، وكذا قالوا في صفة العدو. أزرق العين.