أخبار ثابت قطنة
  فإني امرؤ من عصبة ما زنيّة ... نماني أب ضخم كريم المركَّب
  قال: فأمر له يزيد بدرع وسيف ورمح وفرس، وقال له: قد عرفت ما شرطت لنا على نفسك؟ فقال: أصلح اللَّه الأمير، حجّتي بيّنه، وهي قول اللَّه ø: / {والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ٢٢٤ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ٢٢٦}. فقال [له](١) ثابت قطنة: ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة! مدحت الأمير ببيتين، وسألته حوائجك في عشرة أبيات، وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه، حتى إذا أعطاك ما أردت حدت عمّا شرطت له على نفسك فأكذبتها كأنّك كنت تخدعه، فقال له يزيد: مه يا ثابت، فإنّا لا نخدع، ولكنا نتخادع، وسوّغه(٢) ما أعطاه، وأمر له بألفي درهم. ولجّ حاجب يهجو ثابتا فقال فيه:
  لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
  خبره مع حاجب الفيل عند يزيد
  قال: ودخل حاجب يوما على يزيد بن المهلَّب، وعنده ثابت قطنة وكعب الأشقريّ - وكانا لا يفارقان مجلسه - فوقف بين يديه فقال له: تكلَّم يا حاجب، فقال: يأذن لي الأمير أن أنشده / أبياتا، قال: لا حتى تبدأ فتسأل حاجتك، قال: أيها الأمير، إنه ليس أحد ولو أطنب في وصفك موفّيك حقك، ولكنّ المجتهد محسن، فلا تهجني بمنعي الإنشاد، وتأذن لي فيه، فإذا سمعت فجودك أوسع من مسألتي. فقال له يزيد: هات، فما زلت مجيدا محسنا مجملا. فأنشده:
  كم من كميّ في الهياج تركته ... يهوي لفيه مجدّلا مقتولا(٣)
  جلَّلت مفرق رأسه ذا رونق ... عضب المهزّة صارما مصقولا(٤)
  قدت الجياد وأنت غرّ يافع ... حتى اكتهلت ولم تزل مأمولا
  كم قد حربت وقد جبرت معاشرا ... وكم امتننت وكم شفيت غليلا(٥)
  / فقال له يزيد: سل حاجتك، فقال: ما على الأمير بها خفاء، فقال: قل، قال: إذا لا أقصر ولا أستعظم عظيما أسأله الأمير أعزّه اللَّه مع عظم قدره، قال: أجل، فقل يفعل، فلست بما تصير إليه أغبط منا، قال: تحملني وتخدمني(٦) وتجزل جائزتي، فأمر له بخمسة تخوت(٧) ثياب وغلامين وجاريتين وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم، فقال حاجب:
  شم الغيث وانظر ويك أين تبعّجت ... كلاه تجدها في يد ابن المهلَّب(٨)
(١) عن ط، مط.
(٢) سوّغه ما أعطاه: تركه له خالصا.
(٣) الكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، المتغطي به. جدّله: صرعه.
(٤) جللت ... : أي علوته بسيف ذي رونق قاطع.
(٥) حربه يحربه حربا، كطلبه يطلبه طلبا: أخذ ماله وتركه بلا شيء.
(٦) أخدمه: أعطاه خادما يخدمه.
(٧) تخوت: جمع تخت، وهو وعاء تصان فيه الثياب.
(٨) شام البرق: نظر إليه أين يمطر. ويك: وي اسم فعل بمعنى أعجب، والكاف للخطاب أو أصله ويلك وحذفت اللام لكثرة الاستعمال. تبعج السحاب بالمطر: انفرج عن الوبل الشديد، وكلية السحاب: أسفله، والجمع كلي.