أخبار ثابت قطنة
  /
  لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
  وقال: هذا بيت سوف أهجى به أو بمعناه، وأنشده جماعة من أصحابه وأهل الرواية وقال: اشهدوا أنّي قائله، فقالوا: ويحك ما أردت [إلا](١) أن تهجو / نفسك به، ولو بالغ عدوّك ما زاد على هذا. فقال: لا بدّ من أن يقع على خاطر غيري، فأكون قد سبقته إليه، فقالوا له: أما هذا فشرّ قد تعجّلته، ولعلَّه لا يقع لغيرك، فلمّا هجاه به حاجب الفيل استشهدهم على أنه هو قائله، فشهدوا على ذلك، فقال يردّ على حاجب:
  هيهات ذلك بيت قد سبقت به ... فاطلب له ثانيا يا حاجب الفيل
  أخبرني أحمد بن عثمان العسكريّ المؤدّب قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن أبي عبيدة قال: كان ثابت قطنة قد جالس قوما من الشّراة(٢) وقوما من المرجئة(٣) كانوا يجتمعون فيتجادلون بخراسان، فمال إلى قول المرجئة وأحبّه، فلمّا اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء:
  /
  يا هند إنّي أظنّ العيش قد نفدا ... ولا أرى الأمر إلا مدبرا نكدا(٤)
  إني رهينة يوم لست سابقه ... إلَّا يكن يومنا هذا فقد أفدا(٥)
  بايعت ربّي بيعا إن وفيت به ... جاورت قتلى كراما جاوروا أحدا(٦)
  يا هند فاستمعي لي إنّ سيرتنا ... أن نعبد اللَّه لم نشرك به أحدا
  نرجي الأمور إذا كانت مشبّهة ... ونصدق القول فيمن جار أو عندا(٧)
  المسلمون على الإسلام كلَّهم ... والمشركون أشتّوا دينهم قددا(٨)
(١) سقطت هذه الكلمة من جميع الأصول. وسياق الكلام يقتضيها.
(٢) يسمي الخوارج أنفسهم «الشراة»، جمع شار كقاض وقضاة، من شرى كرمى بمعنى باع، لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة اللَّه أي بعناها ووهبناها، أخذ من قوله تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَه ُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ أللهِ} أو من شرى بمعنى اشترى لقولهم: شرينا الآخرة بالدنيا أي اشتريناها.
(٣) المرجئة: فرقة من الفرق الإسلامية؛ والإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير، من أرجأه إذا أخره، وترك الهمز لغة فيه، قال تعالى:
{قالُوا أَرْجِه ْ وأَخاه ُ} أي أمهله وأخره، والثاني: إعطاء الرجاء، وعلى هذا فهو من أرجى أي بعث فيه الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على هذه الجماعة بالمعنى الأول فلأنهم كانوا يؤخرون العمل عن الإيمان؛ وأما بالمعنى الثاني فلأنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا، وقد غلت طائفة من المرجئة فقالوا: «إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند اللَّه ø، وليّ للَّه، من أهل الجنة».
وقيل: إن أول من قال بالإرجاء الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب، وكان يكتب فيه الكتب إلى الأمصار، إلا أنه ما أخر العمل عن الإيمان كما قالت المرجئة، لكنه حكم بأن صاحب الكبيرة لا يكفر، إذ الطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإيمان حتى يزول الإيمان بزوالها - انظر «الملل والنحل» للشهرستاني ١: ١٤٤، و «الفرق بين الفرق» للبغدادي ص ١٩٠.
(٤) نفد: فني.
(٥) أفد: دنا وأزف.
(٦) أحد: جبل بالمدينة كانت عنده غزوة أحد المشهورة.
(٧) عند عن الطريق عنودا: مال.
(٨) في ب، س «استووا في دينهم». واشتوا: فرقوا. وقددا، أي فرقا مختلفة أهواؤها جمع قدة بالكسر.