أخبار كعب الأشقري ونسبه
  وقد تركت بشطَّ الزّابيين لها ... دارا بها يسعد البادون والحضر(١)
  واخترت دارا بها قوم أسرّ بهم ... ما زال فيهم لمن تختارهم خير
  أبا سعيد فإني سرت منتجعا ... وطالب الخير مرتاد ومنتظر(٢)
  لولا المهلَّب ما زرنا بلادهم ... ما دامت الأرض فيها الماء والشجر
  وما من الناس من حيّ علمتهم ... إلَّا يرى فيهم من سيبكم أثر(٣)
  وهي قصيدة طويلة قد ذكرها الرّواة في الخبر، فتركت ذكرها لطولها(٤)، يقول فيها:
  فما يجاوز باب الجسر من أحد ... قد عضّت الحرب أهل المصر فانجحروا(٥)
  كنّا نهوّن قبل اليوم(٦) شأنهم ... حتى تفاقم أمر كان يحتقر
  لمّا وهنّا وقد حلَّوا بساحتنا ... واستنفر الناس تارات فما نفروا(٧)
  نادى امرؤ لا خلاف في عشيرته ... عنه وليس به عن مثلها قصر
  / حتى انتهى إلى قوله بعد وصفه وقائعهم مع المهلَّب في بلد بلد، فقال:
  خبّوا كمينهم بالسّفح إذ نزلوا ... بكازرون فما عزّوا وما نصروا(٨)
  باتت كتائبنا تردى مسوّمة ... حول المهلَّب حتى نوّر القمر(٩)
  هناك ولَّوا خزايا بعد ما هزموا ... وحال دونهم الأنهار والجدر(١٠)
  تأبى علينا حزازات النفوس فما ... نبقي عليهم ولا يبقون إن قدروا
  فضحك الحجاج وقال له: إنك لمنصف يا كعب، ثم قال الحجّاج: أخطيب أنت أم شاعر؟ فقال: شاعر وخطيب.
  فقال له: / كيف كانت حالكم مع عدوّكم؟ قال: كنا إذا لقيناهم بعفونا وعفوهم، فعفوهم تأنيس منهم، فإذا لقيناهم بجهدنا وجهدهم طمعنا فيهم، قال: فكيف كان بنو المهلب؟ قال: حماة للحريم(١١) نهارا، وفرسان بالليل أيقاظا، قال: فأين السماع من العيان؟ قال: السماع دون العيان، قال: صفهم رجلا رجلا، قال: المغيرة فارسهم وسيّدهم،
(١) الزابيان: نهران أسفل الفرات بين الموصل وتكريت.
(٢) أبو سعيد: كنية المهلب. وانتجع: طلب الكلأ في موضعه، وانتجعه، أتاه طالبا معروفه.
(٣) السيب: العطاء.
(٤) أوردها الطبري في «تاريخه»، وعدّتها ثلاثة وثمانون بيتا.
(٥) في ب، س «فانحجروا» وهو تصحيف.
(٦) ح ب، س «قبل الموت».
(٧) وهنا: ضعفنا. استنفر القوم فنفروا معه، أي استنجدهم واستنصرهم فنصروه.
(٨) رواية الطبري «عبوا جنودهم» وكازرون: مدينة بفارس بين البحرين وشيراز.
(٩) ردى الفرس كرمى: عدا فرجم الأرض بحوافره. والكتيبة: جماعة من الخيل إذا أغارت، من المائة إلى الألف، الخيل المسوّمة:
المرسلة وعليها ركبانها، أو المعلمة الَّتي عليها السومة وهي العلامة.
(١٠) في ط، مط «هناك ولوا جراحا بعد ما هزموا» وفي ب، س «هناك ولوا جراحا بعد ما هربوا».
(١١) كذا في ط، مط. والَّذي في باقي الأصول «للغريم».