أخبار كعب الأشقري ونسبه
  نار ذاكية، وصعدة(١) عالية، وكفى بيزيد فارسا شجاعا، ليث غاب، وبحر جمّ العباب(٢)، وجوادهم قبيصة، ليث المغار، وحامي الذّمار(٣)، ولا يستحي الشجاع أن يفرّ من مدرك، فكيف لا يفرّ من الموت الحاضر، والأسد الخادر(٤)، وعبد الملك سمّ نافع، وسيف قاطع، وحبيب / الموت الذّعاف(٥)، إنما هو طود شامخ، وفخر باذخ(٦)، وأبو عيينة البطل الهمام، والسيف الحسام، وكفاك بالمفضّل نجدة، ليث هدّار، وبحر موّار(٧)، ومحمّد ليث غاب، وحسام ضراب، قال: فأيّهم أفضل؟ قال: هم كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها، قال: فكيف جماعة الناس؟ قال: على أحسن حال، أدركوا ما رجوا، وأمنوا ممّا خافوا، وأرضاهم العدل، وأغناهم النّفل(٨)، قال:
  فكيف رضاهم عن المهلَّب؟ قال: أحسن رضا، وكيف لا يكونون كذلك وهم لا يعدمون منه رضا الوالد، ولا يعدم منهم برّ الولد؟ قال: فكيف فاتكم قطريّ؟(٩) قال: كدناه فتحوّل عن منزله وظن أنه قد كادنا، قال: فهلَّا تبعتموه! قال: حال الليل بيننا وبينه، فكان التحرّز(١٠) - إلى أن يقع العيان، ويعلم امرؤ ما يصنع - أحزم، وكان الحدّ عندنا آثر من الفلّ، فقال له المهلَّب: كان أعلم بك حيث بعثك وأمر له بعشرة آلاف درهم، وحمله على فرس، وأوفده على عبد الملك بن مروان فأمر له بعشرة(١١) آلاف أخرى.
  شعره في المهلب وولده
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار قال: حدّثني أبو عمرو بندار الكرجيّ قال: حدّثنا أبو غسّان التميمي عن أبي عبيدة قال: كان عبد الملك بن مروان يقول للشعراء: تشبّهوني مرّة بالأسد، ومرة بالبازي، ومرة بالصقر، ألا قلتم كما قال كعب الأشقريّ في المهلب وولده! /
  براك اللَّه حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا
  بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم الناس الخطارا(١٢)
  كأنّهم نجوم حول بدر ... دراريّ تكمّل فاستدارا(١٣)
(١) ذكت النار: اشتد لهبها، والصعدة: القناة المستوية تنبت كذلك.
(٢) في ب، س «جم عباب».
(٣) الذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته.
(٤) أسد خادر: مقيم في عرينه داخل في الخدر.
(٥) يقال: موت ذعاف وذؤاف وزعاف وزؤاف: شديد سريع.
(٦) الطود: الجبل، والباذخ: العالي.
(٧) مار: ماج واضطرب.
(٨) النفل: الغنيمة والهبة.
(٩) هو قطري بن الفجاءة المازني، ولاه الخوارج الأزارقة عليهم، وبايعوه بعد قتل أميرهم الزبير بن علي السليطيّ، ودار بينه وبين المهلب قتال عنيف، ولما دبت عقارب الخلاف بين الأزارقة خلعوا قطريا، وولوا عبد ربه الصغير، فانفصل إلى عبد ربه أكثر من الشطر، وارتحل قطري ومن معه إلى طبرستان، فوجه إليه الحجاج جيشا عليه سفيان بن الأبرد فقاتلوه وتفرق عنه أصحابه وقتل سنة ٧٨ هـ.
(١٠) في ب وس «المتحري» وفي ج «المتحرر» والتصويب عن ط، مط. والعيان. المشاهدة.
(١١) في ط، مط، ما، مب: «بعشرين ألف درهم».
(١٢) الخطار: المراهنة.
(١٣) في ب، س «حول بحر» والتصويب عن ط، مط. وكوكب درّيّ: مضيء؛ والجمع دراريّ وتقدير البيت: كأنهم نجوم دراريّ؛ حول بدر تكمل فاستدار.