كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار كعب الأشقري ونسبه

صفحة 447 - الجزء 14

  فأعجبه ما سمع منه، فأوفده إلى الحجّاج، وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه ويعرض عمّا بلغه من شعره، فلما وصل إليه ودخل عليه قال: إيه يا كعب.

  ورأى معاودة الرّباع غنيمة

  / فقال له: أيها الأمير، واللَّه لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها، وما يوردناه المهلَّب من خطرها، أن أنجو منها وأكون حجّاما أو حائكا، فقال له الحجّاج: أولى لك، لولا قسم أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع، فالحق بصاحبك، وردّه من وقته.

  هروبه إلى عمان

  قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب النضر بن حديد: لمّا عزل يزيد بن المهلَّب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم، مدحه كعب الأشقريّ، ونال من يزيد وثلبه، ثم بلغته / ولاية يزيد على خراسان، فهرب إلى عمان على طريق الطَّبسين وقال:

  وإنّي تارك مروا ورائي⁣(⁣١) ... إلى الطَّبسين معتام عمانا

  لآوي معقلا فيها وحرزا ... فكنّا أهل ثروتها زمانا⁣(⁣٢)

  فأقام بعمان مدّة ثم اجتواها⁣(⁣٣)، وساءت حاله بها، فكتب إلى المهلَّب معتذرا:

  بئس التبدّل من مرو وساكنها ... أرض عمان وسكنى تحت أطواد⁣(⁣٤)

  يضحي السحاب مطيرا دون منصفها ... كأنّ أجبالها علَّت بفرصاد⁣(⁣٥)

  يا لهف نفسي على أمر خطلت به ... وما شفيت به غمري وأحقادي⁣(⁣٦)

  أفنيت خمسين عاما في مديحكم ... ثم اغتررت بقول الظالم العادي

  / أبلغ يزيد قرين الجنود مألكة ... بأنّ كعبا أسير بين أصفاد⁣(⁣٧)

  فإن عفوت⁣(⁣٨) فبيت الجود بيتكم ... والدهر طوران من غيّ وإرشاد

  وإن مننت بصفح أو سمحت به ... نزعت نحوك أطنابي وأوتادي⁣(⁣٩)


(١) كذا في ب، س، ج وفي ط، مط «أمامي». ومرو: هي مرو الشاهجان قصبة خراسان وأشهر مدنها. والطبسان: طبس العناب، والأخرى طبس التمر، والعرب تسميها باب خراسان لأنهم لما قصدوا فتح خراسان في خلافة عثمان كانت أول فتوحهم. واعتام:

اختار.

(٢) الثروة: كثرة العدد من الناس والمال.

(٣) اجتواها، كرهها.

(٤) السكنى: الإقامة. والطود: الجبل.

(٥) المنصف من الطريق ومن كل شيء: وسطه. علت: سقيت مرة بعد مرة. والفرصاد: صبغ أحمر.

(٦) خطل كفرح فهو خطل، أي أحمق عجل. والغمر: الحقد والغل.

(٧) المألكة بضم اللام وتفتح: الرسالة. والأصفاد: جمع صفد كسبب، وهو القيد. وفي ب، س «أسيرا» والتصويب عن ط، مط، مب، ها.

(٨) في ب، س، مط «عفوت».

(٩) الأطناب: جمع طنب كعنق، وهو حبل طويل يشد به الخباء.