أخبار كعب الأشقري ونسبه
  فأعجبه ما سمع منه، فأوفده إلى الحجّاج، وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه ويعرض عمّا بلغه من شعره، فلما وصل إليه ودخل عليه قال: إيه يا كعب.
  ورأى معاودة الرّباع غنيمة
  / فقال له: أيها الأمير، واللَّه لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها، وما يوردناه المهلَّب من خطرها، أن أنجو منها وأكون حجّاما أو حائكا، فقال له الحجّاج: أولى لك، لولا قسم أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع، فالحق بصاحبك، وردّه من وقته.
  هروبه إلى عمان
  قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب النضر بن حديد: لمّا عزل يزيد بن المهلَّب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم، مدحه كعب الأشقريّ، ونال من يزيد وثلبه، ثم بلغته / ولاية يزيد على خراسان، فهرب إلى عمان على طريق الطَّبسين وقال:
  وإنّي تارك مروا ورائي(١) ... إلى الطَّبسين معتام عمانا
  لآوي معقلا فيها وحرزا ... فكنّا أهل ثروتها زمانا(٢)
  فأقام بعمان مدّة ثم اجتواها(٣)، وساءت حاله بها، فكتب إلى المهلَّب معتذرا:
  بئس التبدّل من مرو وساكنها ... أرض عمان وسكنى تحت أطواد(٤)
  يضحي السحاب مطيرا دون منصفها ... كأنّ أجبالها علَّت بفرصاد(٥)
  يا لهف نفسي على أمر خطلت به ... وما شفيت به غمري وأحقادي(٦)
  أفنيت خمسين عاما في مديحكم ... ثم اغتررت بقول الظالم العادي
  / أبلغ يزيد قرين الجنود مألكة ... بأنّ كعبا أسير بين أصفاد(٧)
  فإن عفوت(٨) فبيت الجود بيتكم ... والدهر طوران من غيّ وإرشاد
  وإن مننت بصفح أو سمحت به ... نزعت نحوك أطنابي وأوتادي(٩)
(١) كذا في ب، س، ج وفي ط، مط «أمامي». ومرو: هي مرو الشاهجان قصبة خراسان وأشهر مدنها. والطبسان: طبس العناب، والأخرى طبس التمر، والعرب تسميها باب خراسان لأنهم لما قصدوا فتح خراسان في خلافة عثمان كانت أول فتوحهم. واعتام:
اختار.
(٢) الثروة: كثرة العدد من الناس والمال.
(٣) اجتواها، كرهها.
(٤) السكنى: الإقامة. والطود: الجبل.
(٥) المنصف من الطريق ومن كل شيء: وسطه. علت: سقيت مرة بعد مرة. والفرصاد: صبغ أحمر.
(٦) خطل كفرح فهو خطل، أي أحمق عجل. والغمر: الحقد والغل.
(٧) المألكة بضم اللام وتفتح: الرسالة. والأصفاد: جمع صفد كسبب، وهو القيد. وفي ب، س «أسيرا» والتصويب عن ط، مط، مب، ها.
(٨) في ب، س، مط «عفوت».
(٩) الأطناب: جمع طنب كعنق، وهو حبل طويل يشد به الخباء.