أخبار العباس بن مرداس ونسبه
  نبيّ أتانا بعد عيسى بناطق ... من الحقّ فيه الفصل منه كذلكا
  أمينا على الفرقان أوّل شافع ... وآخر مبعوث يجيب الملائكا
  تلافى عرا الإسلام بعد انفصامها ... فأحكمها حتّى أقام المناسكا
  رأيتك يا خير البريّة كلَّها ... توسّطت في القربى من المجد مالكا(١)
  سبقتهم بالمجد والجود والعلا ... وبالغاية القصوى تفوت السّنابكا(٢)
  فأنت المصفّى من قريش إذا سمت ... غلاصمها تبغي القروم الفواركا(٣)
  قال: فقدم عباس على رسول اللَّه ﷺ المدينة حيث أراد المسير إلى مكَّة عام الفتح، فواعد رسول اللَّه ﷺ قديدا(٤)، وقال: القنى / أنت وقومك بقديد، فلما نزل رسول اللَّه ﷺ قديدا وهو ذاهب، لقيه عبّاس في ألف من بني سليم، ففي ذلك يقول عبّاس بن مرداس:
  بلَّغ عباد اللَّه أنّ محمّدا ... رسول الإله راشد أين يمّما(٥)
  دعا قومه واستنصر اللَّه ربّه ... فأصبح قد وافى الإله وأنعما(٦)
  عشيّة واعدنا قديدا محمّدا ... يؤم بنا أمرا من اللَّه محكما
  حلفت يمينا برّة لمحمّد ... فأوفيته ألفا من الخيل معلما
  سرايا يراها اللَّه وهو أميرها ... يؤم بها في الدّين من كان أظلما(٧)
  على الخيل مشدودا علينا دروعنا ... وخيلا كدفّاع الأتيّ عرمرما(٨)
  أطعناك حتّى أسلم الناس كلهم ... وحتّى صبحنا الخيل أهل يلملما(٩)
  وهي قصيدة طويلة.
(١) يعني مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
(٢) السنابك: جمع سنبك كقنفذ، وهو طرف الحافر. والمعنى: لا تبلغنها سنابك الخيول المتسابقة إليها.
(٣) غلاصم: جمع غلصمة، وهي أصل اللسان أو الجماعة أو السادة. والقروم: جمع قرم بالفتح، وهو السيد، وأصله الفحل الَّذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة والضراب. والفوارك: جمع فارك، من فرك الرجل امرأته فركا: أبغضها، يعني أنهم ليسوا ممن تلهيهم النساء عن عظائم الأمور، ومن ذلك قول الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
وقد تمثل به عبد الملك بن مروان حين تهيأ لقتال ابن الأشعث. وفي وصف القروم بالفوارك ملاءمة ظاهرة.
(٤) قديد: موضع قرب مكة.
(٥) في هذا البيت خرم. ويمم: طلب. وفي «الروض الأنف» ج ٢ ص ٢٦٨ «من مبلغ الأقوام».
(٦) وافى اللَّه حقّه ووفاه: أداه، ويقال: فعل كذا وأنعم: أي زاد.
(٧) يراها اللَّه، أي بعين رعايته. وأظلم هنا بمعنى ظالم.
(٨) في الأصول: «عليها» وهو تحريف، والخيل: الفرسان. وفي «السيرة» «ورجلا» وهم الرجالة أي المشاة. وسيل أتيّ: وفي ب، س:
«اللواتي»؛ وهو تحريف. والتصويب عن ها، و «السيرة النبوية». والدفاع: كثرة الماء وشدته وتدافع جريه. وجيش عرمرم: كثير شديد.
(٩) كذا في الأصول. وفي «الروض الأنف»: «صبحنا الجمع». يلملم: ميقات اليمن، جبل على مرحلتين من مكة. وفي ب، س «يلمما»؛ وهو تحريف.