كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العباس بن مرداس ونسبه

صفحة 458 - الجزء 14

  وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع

  وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع

  فبلغ قوله رسول اللَّه ، فدعاه فقال له: أنت القائل: «أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟» فقال أبو بكر:

  بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه، لم يقل كذلك، ولا واللَّه ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشعر، وما أنت براوية، قال:

  فكيف قال؟ فأنشده أبو بكر ¥، فقال: هما سواء، لا يضرّك بأيّهما بدأت: بالأقرع أم بعيينة، فقال رسول اللَّه : اقطعوا عنّي لسانه، وأمر بأن يعطوه من الشّاء⁣(⁣١) والنّعم ما يرضيه ليمسك، فأعطي، قال:

  فوجدت⁣(⁣٢) الأنصار في أنفسها، وقالوا: نحن أصحاب موطن⁣(⁣٣) وشدّة، فآثر قومه علينا، وقسم قسما لم يقسمه لنا، وما نراه فعل هذا إلَّا وهو يريد الإقامة بين أظهرهم، فلما بلغ قولهم رسول اللَّه أتاهم في منزلهم فجمعهم، وقال: من كان ها هنا من غير الأنصار فليرجع إلى أهله، فحمد اللَّه وأثنى عليه / ثم قال: يا معشر الأنصار، قد بلغتني مقالة قلتموها، وموجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلَّالا فهداكم اللَّه؟ قالوا: بلى. قال: ألم آتكم قليلا فكثّركم اللَّه؟ قالوا: بلى. قال: ألم آتكم أعداء فألَّف اللَّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى.

  قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني يعقوب بن عيينة أنه قال: ألم آتكم وأنتم لا تركبون الخيل فركبتموها؟ قالوا:

  بلى. قال: أفلا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: للَّه ولرسوله علينا المنّ والفضل، جئتنا يا رسول اللَّه ونحن في الظلمات، فأخرجنا اللَّه بك إلى النور، وجئتنا يا رسول اللَّه ونحن على شفا حفرة من النار، فأنقذنا اللَّه، وجئتنا يا رسول اللَّه ونحن أذلَّة قليلون فأعزّنا / اللَّه بك، فرضينا باللَّه ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. فقال : أما واللَّه لو شئتم لأجبتموني بغير هذا، فقلتم: جئتنا طريدا فآويناك، ومخذولا فنصرناك، وعائلا فأغنيناك، ومكذّبا فصدّقناك، وقبلنا منك ما ردّه عليك الناس، لقد صدقتم. فقال الأنصار: للَّه ولرسوله علينا المنّ والفضل، ثم بكوا حتى كثر بكاؤهم، وبكى رسول اللَّه ، وقال: يا معشر الأنصار وجدتم في أنفسكم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أتألَّفهم على الإسلام ليسلموا، ووكلتكم إلى الإسلام، أو لا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وترجعوا برسول اللَّه إلى رحالكم؟ والَّذي نفس محمّد بيده لو سلك الناس شعبا⁣(⁣٤) وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ثم بكى القوم ثانية حتى أخضلوا⁣(⁣٥) لحاهم، وقالوا: رضينا يا رسول اللَّه باللَّه وبرسوله حظَّا وقسما، وتفرّق القوم راضين، وكانوا بما قال لهم رسول اللَّه أشدّ اغتباطا من المال.

  / وقال أبو عمرو الشيباني في هذا الخبر: أعطى رسول اللَّه جماعة من أشراف العرب عطايا يتألَّف بها قلوبهم وقومهم على الإسلام، فأعطى كلّ رجل من هؤلاء النّفر - وهم: أبو سفيان بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزّى، وصفوان بن أميّة، والعلاء بن حارثة الثّقفي حليف بني زهرة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس - مائة من الإبل، وأعطى كلّ واحد من


(١) في ب، س، ج: «من النساء»؛ وهو تحريف والتصويب عن ها.

(٢) وجد عليه يجد: غضب.

(٣) الموطن: المشهد من مشاهد الحرب.

(٤) الشعب: الطريق في الجبل.

(٥) أخضله: بله.